بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 23 سبتمبر 2013

الفعل الطائفي والعاطفي -صميم العراقي



صعود موجة استهداف الناس في مناطق التناظر الطائفي تعود لصعود مشروعين متنافرين في الآونة الاخيرة، الأول يدعو الى استئصال الشيعة لأنهم جزء حيوي من المسألة السياسية في البلد والثاني يظن ان ما اخذ بالقوة الاميركية ومعها المعارضة العراقية لا يسترد ثانية الا بالقوة المسلحة الغاشمة وإن باستخدام اعنف الوسائل واشرس الآليات انطلاقا من (كهنوت شرعي) مسيج بدروع الفتاوى التكفيرية وهي تمني النفس بعودة (الخلافة) ولو على عظام الابرياء حيث تهتز الرقاب وتتمايل الاجساد المثخنة بالشظايا في المحلات والبيوت والطريق الدولية بين العراق وجيرانه حتى وصل الامر الى تعليق المشانق في شارع يافا!.
هنالك من يعتقد ان استهداف الشيعة بهذا الشكل الهمجي سيضعف القوة الشيعية في السلطة والمؤسسة والحكومة وفي قياس نبض الشارع ويتوهم العمل على ايقاع اكبر عدد ممكن من الضحايا سبيلا لإيقاع الشيعة في الفخ الطائفي، وربما يتحرك مارد الاكثرية الشيعية هنا وهناك بحجمه العددي وتأثيره السياسي والاجتماعي النوعي ويحقق هذا التوازن المفقود في الاستهدافات العسكرية وعمليات استئصال الناس في هذه المنطقة او تلك من المناطق التي تشكلت منذ القدم على اساس التناظر الشيعي السني، لكن ما لا ينبغي الوقوع به هو هذا الهدف المتوحش الذي يحيل الاكثرية الشيعية الى سكاكين وبنادق فيما تتحول العمائم الى فتاوى جارحة ومعاول هدم وهو عين ما تسعى اليه تلك المجموعات في هذه المرحلة التاريخية الصعبة من حياة العراقيين.
الشيعة اخوة السنة وما يجري حالة استثنائية خلقتها ظروف ما بعد دخول القوات الاميركية في 9/ نيسان 2003 ومشروع تفريق وهابي سلفي منهجي ورجال في العملية السياسية دخلوها من باب الافادة من الرقم والمكون بغية تحقيق اهداف سياسية وفئوية ومالية ليس إلا، وإلاّ فان الكثير من قادة أحزاب سنية وشيعية ينتمون لمكونات كبيرة في العملية السياسية ولا يمتون بصلة للعقائد الروحية والتاريخ الاسلامي بل لم يزر احدهم ضريحا لإمام سني ولا ضريحا لإمام محسوب على الروحية الشيعية!.
مشكلة بعض القادة السياسيين الموزعين على المكونين الشيعي والسني هذا البون الشاسع والمسافة الطويلة العريضة بينهم وبين اشواق الشيعة والسنة الروحية والعقيدة الاسلامية، وإذا كان جل القادة يتمركزون عادة في ساحات الخطابة ومنابر الدعاية السياسية، فانهم سجلوا ويسجلون على الدوام غيابا واضحا عن اداء المناسك والزيارة وارتياد الاضرحة المقدسة على الجسر المشترك ببغداد بين ابي حنيفة النعمان وإمام المطامير موسى الكاظم بل لم اسمع سياسيا او متصديا للعملية السياسية القى شيئا او قدم مداخلة او ألّف كتابا في الاسلام الحنفي او الاسلام الجعفري!.هذا يعني ان البعض يستخدم (الشيعة) للدعاية السياسية مثلما يستخدم البعض الآخر المكون السني للدعاية ذاتها، وهو امر غريب في بلد تنتصب فيه أعلام تيارات فكرية ذات طابع عقائدي وتيارات مسلحة ذات طابع اقصائي تحاول ان تربط الناس بروحية ان ما يقومون به فعل اسلامي ووطني وهما يتذابحان من منزل الى منزل والشرر في العيون والاصابع على المقابض!.
لذا فما نحن فيه هو تسعير طائفي من قبل طبقة سياسية تعضدها مجموعات مسلحة تتدخل وقت الحاجة، تقابلها طبقة سياسية تسعر بطريقة رد الفعل العاطفي على سلوك طائفي مشين يستهدف المساجد والحسينيات ودور العبادة والناس المساكين في مدينة الصدر والشعلة وحي جميلة والهدف الاساس تفتيت الكتل المتجانسة وتفكيك الروابط التاريخية وقتل روح الهوية الانسانية في النفوس وصولا الى طعن الهويات الوطنية بالصميم من خلال جر الاطراف الى الحرب الاهلية الشاملة!.
في العام 2006 تم استهداف معمارية الامامين العسكريين واستطاعت المرجعية الدينية ممثلة بسماحة الإمام المعظم السيد السيستاني اطفاء الفتنة وتطويق الشرر وحماية الوحدة الوطنية من البنادق والمسلحين وخطاب (اعلو هبل) وحدّت من خطورة ردات الفعل العاطفية التي صدرت من بعض الجماعات السياسية والتيارات الشعبية بسبب ماحصل لهذه المعمارية المقدسة وما تمثله في الروحانيات والاشواق الشيعية العامة.
 اليوم هذه المرجعية مدعوة لممارسة ضغط اكبر على جماعات وخلايا حولت الرد العاطفي الى رد طائفي ما يحول الاكثرية الشيعية الى هدف ويعطي المبرر الكافي لاستهداف معمارية الوحدة الوطنية بالنسف والتدمير والعدوان الاصولي السلفي المنظم وهو ما تريده وتسعى لتنفيذ اغراضه قوى التكفير الراهنة التي بدأنا نسمع صيحاتها على الحدود المشتركة مع البلدان المجاورة!.
السؤال المحوري هو: إذا كانت المرجعية الدينية حدت من خطورة العمل برد الفعل العاطفي الشيعي فهل تستطيع الحد من رد الفعل اذا ما تحول الى فعل طائفي؟ وبالمقابل هل تستطيع المرجعيات السنية - وهنا اشير الى مقام الدكتور عبد الملك السعدي - الحد من رد الفعل العاطفي الذي سيتبلور على شكل جماعات وبنادق جاهزة للعمل في الشارع اذا ما اطيح بالحدود التي بدأت القوى السياسية العراقية التنبيه بضرورة التقيد بها وعدم التجاوز عليها في ساحة محشوة بالنار والبنادق والازمات ومفتوحة على جميع الخيارات؟!.
ان نزاهة الدعوة بإحلال السلم والتضامن الشعبي وعدم التفريق بين المكونات والعمل على ارضية الهوية الوطنية المشتركة لا يلغي وجود دعوات من داخل المكونات بضرورة التجاوز والعودة الى اشعال النيران في الشوارع وقتل الناس على الهوية ليقيني ان الساحة العراقية لم تتعاف من مرض الطائفية المقيت، واذا كانت الطائفة نهجا بشريا يقوم على اساس الايمان بمنظومة من المعتقدات والاشواق الفكرية والروحية فان الطائفية نهج مغاير يستهدف نسف الركائز والثوابت والاشواق الروحية والفكرية باسم الدفاع عن مذهب الطائفة!.
احموا الوحدة الوطنية من التدمير قبل حماية معمارية الإمام لان الهدف المحوري من استهداف المعمارية الثانية هو استهداف ستراتيجي لمقام المعمارية الاولى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق