بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 10 سبتمبر 2013

«أحلام هند وكاميليا» لمحمد خان: ولو قسط يسير من الحرية إبراهيم العريس


لقطة من «أحلام هند وكاميليا»من المؤكد ان ليس في مقدور أحد ان يزعم ان السينما المصرية لم تكن منصفة في حق المرأة. فنادرة هي الأفلام – التي تستحق اسم أفلام – التي لم تقف الى جانب المرأة وحقوقها في شكل أو آخر، ولا سيما خلال الستينات والسبعينات يوم صارت قضية المرأة قضية اجتماعية تهمّ الناس جميعاً. وطبعاً حين نقول هذا لا نعني ان هذه السينما التي نتحدث عنها كانت من التقدم الى درجة الوقوف الى جانب حرية المرأة وإنصافها حقوقياً وما الى ذلك من تلك المطالب التي لم تكف جمعيات حقوق المرأة عن المجاهرة بها في وجه مجتمعات أغلقت عيونها وآذانها مستكثرة على المرأة ان تعتبر نصف المجتمع ومربيته. لكننا نعني ان عدداً كبيراً من الأفلام حاول التصدي لقهر المرأة وربما لمساعدتها على الحصول على حقوقها العاطفية، اضافة الى بعض حرياتها. ولنقل هنا انه حتى قد حدث ان سينمات من الأكثر شعبية والتماشي مع السائد مثل تلك التي حققها هنري بركات وأحمد ضياء الدين
وبخاصة حسن الإمام، بين آخرين، شكلت صرخات من أجل المرأة، من دون ان ننسى هنا، صلاح ابو سيف الذي حقق بين الخمسينات وأواسط الستينات، مجموعة افلام مقتبسة عن روايات تحررية لإحسان عبدالقدوس، جعلت متخلفي المجتمعات العربية يصرّون على اسنانهم غضباً... غير ان كل ذلك المتن السينمائي ظل دائماً سينما ذكورية تصنع من اجل المرأة، وظل عاجزاً عن المطالبة للمرأة بحريتها كفرد عامل في المجتمع يقرر لنفسه بنفسه، ككائن يقبض على مصيره بيده. مثل هذا النوع السينمائي كان عليه ان ينتظر أفلام إيناس الدغيدي وربما ناديا حمزة ثم بنات الجيل الأصغر من المخرجات مثل ساندرا نشأت وهالة خليل وهالة لطفي وكاملة ابو ذكري – كي نحصر حديثنا هنا في السينما المصرية – قبل ان يظهر. ومع هذا ثمة فيلم لا بد من التوقف عنده دائماً في مثل هذا الحديث، صحيح ان مخرجه وكاتبه كان رجلاً وواحداً من افضل الذين اعادوا الى السينما «الشعبية» المصرية قوتها ورونقها في سنوات الثمانين، لكن الفيلم في حد ذاته كان أنثوياً بامتياز، اي كان فيلماً غاص في مسألة حرية المرأة ومكانتها في المجتمع الى حدّ ندر ان غاص اليه اي فيلم مصري من قبله، سواء كان من توقيع امرأة أو رجل. ونتحدث هنا
عن محمد خان وعن فيلمه «أحلام هند وكاميليا» الذي حُقّق وعرض في العام 1988.
> ومهما يكن من أمر هنا، لا بد من التشديد على ان هذا الفيلم لم يكن الوحيد الذي دنا فيه خان من هذا الموضوع ولن يكون الأخير. لكنه هنا، أوصل موضوعه الى اقصى مداه خالقاً للمرأة والسينما العربيتين الفيلم-المرجع في هذا المجال. ومع هذا، لو نظرنا الى «أحلام هند وكاميليا» من خارجه لرأيناه فيلماً يتضمن السمات نفسها التي اعتادت السينما المصرية الشعبية الرائجة ان تتضمنها، من حضور مكثف للنجوم في أدواره، الى السياق الحكائي الخطّي الذي لا يترك مجالاً واسعاً لتشظي اللغة السينمائية كما يجدر بالسينما الطليعية ان تحاول... بيد ان الذي يمكن تأكيده في هذا المجال هو ان محمد خان لم يكن ليفوته وهو السينمائي المتمرّس والذي يعرف السينما الطليعية المتقدمة في العالم جيداً، ان عليه هنا ان يقدّم الموضوع – وربما ايضاً «الرسالة» الاجتماعية التي يتوخى إيصالها – على أي شيء آخر، طالما ان فيلماً من هذا النوع سيبدو وكأنه من المبشّرين بين مؤمنين، إن هو اكتفى بإيصال رسالته الى النخبة كما اعتاد ان يفعل اصحاب الأفلام الطليعية ومواضيعها المتقدمة حين «يصعّبون» الأمور على الجمهور، فيبتعد هذا عن افلامهم وبالتالي لا تعود رسائلهم سوى نفخ في الهواء...
> إن حبكة «أحلام هند وكاميليا» من الحبكات التي يمكن العثور عليها في اي فيلم شعبي مصري على اية حال: انها تدور حول الصبيتين البائستين هند وكاميليا اللتين تعملان في خدمة البيوت ولكل منهما في الوقت نفسه حياتها الخاصة: هند، الأرملة البسيطة الوديعة التي بعد موت زوجها تضطر للعيش مع اسرتها الفقيرة والعمل خادمة في البيوت كي تساعد الأسرة في الوقت الذي تحلم فيه بزوج وحب وبيت دافئ... اي بتلك الأمور «الصغيرة» التي ترى انها ستنتشلها من هوانها. أما كاميليا فهي من ناحيتها مطلقة تعمل خادمة في البيوت وتعيش مع اسرة اخيها الذي تتولى هي اعالتها وكلها امل في ان تعثر هي الأخرى على ما يحررها من تلك الحياة، وبخاصة بعد ان تُجبر على الزواج ثانية من رجل قبيح يكبرها سنا لمجرد ان تساعد أخاها وتمكنه من القيام بأود عائلته.
> واضح ان المرأتين غير راضيتين عن هذه الحياة، وان كل واحدة منهما تعيش أحلاماً تفوق طاقتها... ومع هذا ها هما تمضيان الوقت في المقاومة، وفي محاولة العثور على العيش الكريم كما على الحرية إن أمكن... وعلى بعض المال إن لم يكن على الكثير منه. وفي تلك الأثناء تكون هند قد ارتبطت بالشاب عيد الذي يمارس، كشبان كثر مثله في الحارة المصرية، ألف عمل وعمل ولا يتورع عن القيام بسرقات صغيرة... وهو الآخر يحلم على اية حال، وبخاصة في ان يتزوج من هند ولا سيما بعد ان حملت منه وأنجبت طفلة فيما يكون هو قد رُمي في السجن لسرقة اقترفها وخبأ المال الذي جناه منها في مكان لن يعرف به سوى هند، وكاميليا بالتالي. الطفلة التي تنجبها هند ستطلق عليها الصديقتان اسم أحلام... وذلك بالتحديد تيمّناً بأحلامهما المشتركة، والتي ربما نكتشف بالتدريج ان ما من أحد من ذكور الفيلم، بما في ذلك عيد نفسه وقد صار نزيل السجن الآن، يشكل جزءاً منها. فالمرأتان ليستا بعد تجاربهما الحياتية من النمط الذي في إمكانه بعد ان يثق بأن في إمكان احد، او حتى في إمكان المجتمع ككل، ان يعطيهما شيئاً، ولا ننسينّ هنا ان أحداث فيلم محمد خان هذا، تدور في ذلك الزمن المعروف بزمن «الانفتاح» حيث ادت الفوضى الاقتصادية في مصر الى فرز طبقي مريع ادى بالفقراء الى فقر اشد قسوة... وأناس مثل هند وكاميليا، هم من حثالة الحثالة، ولذا لا يمكن المرأتين ان تحلما بالكثير: مجرد قسط من الحرية، وبعض المال، والأمل بتنشئة لأحلام الصغيرة تعوضان من خلالها ما لم تتمكنا منه. وهنا، في لحظة من لحظات الفيلم، تبدو الآمال الصغيرة على وشك ان تتحقق، وتحديداً بفضل المال الذي كان عيد قد سرقه، إذ إن هند تعثر على المال لتعيش لحظات مرح وأمل مع كاميليا والصغيرة أحلام... وذلك تمهيداً للذهاب الى الإسكندرية لمجرد مشاهدة البحر للمرة الأولى، كتعبير واضح عن توق الى الحرية غير محدود. وبالفعل تتجه المرأتان الى بحر الإسكندرية ومعهما أحلامهما – بالمعنى المزدوج للكلمة -، ولكن هنا سيحدث ما يحدث عادة للفقراء في مثل هذه المواقف: سيستولي أشرار على المال تاركين المرأتين بائستين خائبتي المسعى... ولكن على بعد خطوات من الشاطئ وغير بعيد من مكان الطفلة. حسناً لقد فقدت المرأتان المال، لكن البحر هناك ينتظرهما ومعه ولو جزء يسير من الحرية التي لطالما سعتا اليها، ثم هناك الطفلة أحلام رمز التطلع الى المستقبل والأمل الذي لا برء منه.
> فهل كان يمكن اعتبار تلك النهاية نهاية سعيدة في هذا الفيلم الذي تلقفه الجمهور بحب واحتضان منذ عروضه الأولى؟ ليس تماماً، لكنه اتى فيلماً بسيطاً يصوّر الحياة كما هي لا كما يجب ان تكون، ويصور الأحلام الصغيرة وحدودها من دون مواعظ او معجزات. وهنا كمنت قوته ومكانته في مسار السينمائي محمد خان الذي كان يكثر في تلك الأيام من تحقيق أفلام أعادت الثقة بالسينما المصرية على غرار ما فعل زملاء مجايلون له ضمن إطار ذلك التيار الذي سمّي حينها «تيار الواقعية الجديدة في السينما المصرية» مثل علي بدرخان وخيري بشارة والراحل عاطف الطيب وداود عبد السيد...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق