بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 19 مايو 2014

◘ «تسعة ظلال بالأسود»... المأساة أكثر حضوراً بلونين - صفوان حيدر

منحوتة للفنان السوري فادي اليازجي
منحوتة للفنان السوري فادي اليازجي
كيف ينظر الفنان إلى اللون الأسود ليعطيه الحياة؟ هذا ما يشغل «معرض تسعة ظلال بالأسود» الذي كان افتتاحه مساء الثلاثاء الماضي في غاليري «تانيت» (الجميزة) يحوي رسوماً بالحبر الصيني ومنحوتات سوداء وصوراً
فوتوغرافية بالأبيض والأسود، لتسعة فنانين من لبنان وسوريا وسويسرا والولايات المتحدة الأميركية: يوسف عبدلكي، جون آدم ليدر، نديم أصفر، ميخائيل بايبرشتاين، جون شامبرلين، جيلبرت حاج، جان مارك نحاس، سيرج نجار وفادي يازجي.

حشد كبير جداً من الرسوم الصغيرة بالحبر الصيني جمعها جان مارك نحاس في جدارية كبيرة تحكي مأساة الحرب اللبنانية بعنوان «بيروت حبيبتي». تعبر أعماله عن اتجاه حداثوي ما بعد انطباعي، ساخر وانفعالي ومتوتر دائماً. رسوم تدين العنف وتسعى إلى التعاطف مع المشاعر الإنسانية البريئة منذ أيام الطفولة وعبر حياة كاملة. لكن نحاس يميل إلى الرؤية الكابوسية التشاؤمية، ساخراً من التكوينات التشكيلية الفاحمة والمشبعة بالبغض والكره واليأس والموت في أزمنة الحرب التي عشناها. أنجز نحاس هذا العمل البانورامي الجداري الحاشد عام 2006.
يوسف عبدلكي، يستوحي أعماله المنجزة بالفحم على ورق ملصق على الخشب، من الأوضاع في سوريا اليوم. الصحن عليه لطخة دم تعبيراً عن المأساة السورية. فضاء اللوحة رمادي. الدم الأحمر ينسكب من جهة مجهولة، الدم الذي ينذر بالموت، هنا العلاقة بالحياة التي لا تقاس بثمن. الصحن اختزال روايات لا تحصى. وما تفيض به الدلالة على المأساة المتغلغلة في الأعماق. يبدو عبدلكي في لوحاته جامع أدلة أمام الضمير المشاهد يجمعها بصمت وإتقان لا مساومة فيهما رغم الإيحاء المخادع بأن وجود الصورة تلقائي وعفوي وبغير حسابات سياسية أو اتهامية.
ثمانية صور فوتوغرافية لنديم أصفر بالأسود والأبيض، تمتاز بالعمل على التفاصيل الالتقاطية الدقيقة لإبراز رقتها ومعانيها، كي نستطيع مشاهدة طبقات الصورة أثناء تصنيعها بمزيد من التفاصيل. فهو يأخذ نيغاتيف الصورة ويعكس عليه النور لتظهر الآثار على ورقة مصنوعة من الفضة. أما جيلبر حاج فتصويره الفوتوغرافي مكثف ومركز ومدروس للوردة بالأبيض والأسود ليتابع كافة مراحل تفتحها. كذلك صوره الفوتوغرافية البورتريه خافتة الإضاءة لوجوه معمرة أصابها الإهمال والتهميش الاجتماعي. صور شاحبة سوداء لكن عندما يقترب المشاهد من الصور محدقاً فيها يكتشف معاناتها مع الشيخوخة والاحتضار. أما فادي يازجي، فتذكرنا منحوتاته السوداء الكبيرة والصغيرة بالسنطور اليوناني. لكن فادي يسمي هذا السنطور «كوازيمودو» (أحدب نوتردام). يتحول كوازيمودو إلى حيوان برونزي سياسي أسود يمشي على أربع. لكن جسده وتعابير وجهه ملساء ولماعة، إنه التحول الإنساني في اتجاه الحيونة الممسوخة في هذا الزمن الكافكاوي الممسوخ. وهناك منحوتة برونزية صغيرة اسمها شجرة، وثمرة بالرؤوس البشرية المقطوعة، إنها شجرة الأمة وثمارها إدانة لما يجري في سوريا.
وبمقاييس هندسية حديثة يقدم سيرج نجار صورتين فوتوغرافيتين بالأسود والأبيض، تعبران عما لا تلاحظه العين البشرية في ظلال الحداثة السوداء القاتمة.
يسعى سيرج إلى إظهار التعارضات الهندسية والعراك بين الأبيض والأسود. لم تنل الهندسة الحديثة حقها من التصوير في لبنان، بينما هناك تصوير متراكم لتاريخ الحجارة القديمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق