بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 21 مايو 2014

حيادي لكنه منحاز - أمينة خيري

يبذلون الجهود، ويقدحون زناد الفكر، ويتظاهرون بضد ما يضمرون، ويقولون عكس ما يفكرون، أملاً بنيل شهادة الأداء الحيادي. يكاد المشاهد يشعر بتعبهم، وتوشك الكاميرات أن تفضح إنهاكهم، وتتفجر الوجوه بشرايين الدماء وخطوط العمر التي تئن تحت وطأة ستر المكشوف وإخفاء المنظور.
الفضائيات المصرية الخاصة، التي صارت المكوّن الرئيسي لوعي المصريين (ما عدا الإخوان)، ومصدر معلوماتهم (باستثناء الإخوان)، والمشكل الحيوي لتوجهاتهم (إلا الإخوان)، تبذل جهداً لالتزام الحياد، والدعاية المتوازنة والتغطيات المتوازية.
معظم هذه القنوات دعمت وزير الدفاع السابق المشير عبد الفتاح السيسي في خطوته الوطنية لتخليص البلاد من قبضة الجماعة «الإرهابية» وعزل المجموعة الإخوانية.
وإذا أضيف إلى ذلك ميل جارف لأن يكون السيسي رئيساً، وذلك بين عدد لا بأس به من مذيعي ومعدي ومسؤولي هذه القنوات، فقد عرف الجميع أن مسألة التوازن وحكاية الموضوعية وأسطورة الحياد تبقى حبراً على ورق. فإذا أُعّدت الحلقة بطريقة تضمن 6 دقائق ونصف الدقيقة لحملة السيسي ومثلها لحملة صباحي، واستضاف البرنامج ضيفاً مؤيداً لصباحي وآخر داعماً للسيسي، يظل هناك من هو قابع أمام الشاشة انتظارًا للسقطة. فها هو شاب من حملة صباحي يعترض على لفظ «سيادة» المستخدم قبل «المشير» مطالباً إما بحذفه وإما بإضافة مثلها قبل «السيد حمدين». وها هي مواطنة داعمة للسيسي تكتب خطاباً شديد اللهجة لإدارة القناة منتقدة إياهم بسبب المناظرات البديلة بين أعضاء من حملة هذا وذاك، لأن «المشير» كما ترى أكبر بكثير من أن يدخل أو يُدخَل باسمه في مناظرات.
لكنّ المثير والظريف هو متابعة تعبيرات وجوه المذيعين هنا وهناك. فبينما الألسن تلتزم الموضوعية، والحياد إن أمكن، تجد الحاجبين والعينين والشفتين خارج نطاق كليهما. فها هما الحاجبان يرتفعان عجباً لقائمة إنجازات المرشح الآخر. وها هما العينان تتسعان رفضاً لضيف يرجح كفة ذاك على حساب هذا. وهاهما الشفتان تأتيان بحركات لا إرادية رافضة ومنددة وشاجبة لتقارير أوردت اتهامات هذه الحملة لتلك.
المجهود الجبار واضح بالعين المجردة. وبين الجماهير من يراه جهداً محموداً، ومنهم من يعتبره دخاناً في هواء الأهواء المحددة سلفاً، وهناك أيضاً من يعتبر هذا وذاك هراء، والجميع يضحك على الجميع في تمثيلية انتخابية «انقلابية» مرفوضة برمتها ونجمتها ونسرها.
الفريق الأخير يلجأ إلى نوع آخر من الحياد مع أثير يصف ثورة يونيو بـ «الانقلاب» ويلقب الدكتور محمد مرسي بـ «الرئيس» ولا يرى في مصر سوى تظاهرات ما تبقى من «إخوان» ولا يعترف بانتخابات إلا في سياق كونها ترسيخاً للانقلاب على شرعية صناديق الجماعة.
هذا النوع من الحياد مع قنوات إقليمية بعينها وأخرى داعمة عبر البحار، الغرض منها خلق مناخ افتراضي لكنه حيادي من وجهة نظر «الإخوان». إنه الحياد في زمن الانحياز.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق