بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 5 مايو 2014

راية الحسين! - مصطفى الأنصاري

على أن استدعاء التاريخ الإسلامي، تراثاً ومعارك وفتناً، ظل عبر قرون وعقود. إلا أن مرحلتي غزو العراق في 2003 ودخول حزب الله وإيران على خط الثورة السورية في 2012، أعادتا ذلك التاريخ على نحو دخل بيوت الناس، وغدا واقعاً يومياً.

لا يعود ذلك إلى أن في دولتي العراق وسورية فقط تجري معارك ذات طابع مذهبي
وطائفي، إنما لتاريخ الدولتين العريق وعلاقتهما الوثيقة بالتلاقي الديني والمذهبي، ولأنهما أصلاً منطلق تلك الاصطفافات يوم نشأتها الأولى، بعد مقتل عثمان وخلافة علي وابنه الحسن الذي تنازل لمعاوية، رضي الله عنهم جميعاً.
لكن الملفت أن "راية الحسين" التي مثلت عبر التاريخ رمزاً يعظمه السنة والشيعة، بوصفها متعلقة بابن خاتم الأنبياء الذي قتل عدواناً وظلماً، على أيدٍ ملوثة بالفحشاء والمنكر، هاهم المقاتلون تحت ظلالها، ليسوا بأبعد من جيش "يزيد" أفعالاً وفظائع وإحياء للثأر.وإذا كان العالم الإسلامي، مجامع فقهية ومؤسسات بحوث وفقهاء مستقلين، أجمعوا على "ضلال القاعدة" فكراً وتطبيقاً، فإن الروايات القادمة من الشام، توحي بميلاد فرع آخر لـ "القاعدة"، سوى أنه يرفع راية الحسين.
استدعاء "الفتنة الكبرى" في معركة طرفاها نظام قاتل، وشعب أعزل متشرد، ليس إلا تنكسياً للراية التي أراد لها المنظرون الشيعة أن تبقى مرفوعة مدى الدهر، نصرة للمظلوم واقتصاصاً من الظالم.
وكأن شاعر المدينة المنورة عبد المحسن حليت، تنبأ بالذي سيكون على أرض الشام، وهو ينشد في سياق آخر، وينعى الراية المجيدة قائلا:
سقطت رايةُ الحسينِ وعادت من جديدٍ بثوبـها كـربلاءُ
مات عصرُ الفاروقِ، لم تبقَ منهُ غير ذكرى سُطورها بيضاءُ
كُلكم من سقوطها مستفيدٌ كلكم مذنبٌ .. ولا أبرياءُ
أكبرُ المجرمين أنتمْ ولـكن لا وجوهٌ لكم ولا أسـماءُ
صحيح أن الثورات العربية مزقت ليبيا، وتكاد توهن مصر واليمن، واقتربت من إعلان وفاة سورية، إلا أن رفع "رايات الفتنة الكبرى"، سيضيف للمشهد بعداً أشد وقعاً، سيفضي إلى "تفكيك الكتل المتجانسة"، وينتهي إلى استراتيجية "الصوملة" كما يرى المفكر العراقي حسن العلوي.
بهذا يبدو أن الذين يرون عبثية محاولات ترشيد الفهم التراثي منطقيون، ولا منطقيون في آن. فخلال العقد الماضي كتب العقلانيون العرب وأقطاب الفكر الديني في العالم الإسلامي، أجمل وأجرأ الأفكار في سبيل تصحيح ونقد التراثيات المقيدة للفعل والعقل الاسلامي، لكن ذلك حين قامت "الفتنة" لم يصنع شيئاً، فما الفائدة إذاً من كل ما كتب؟
ومنطقيون لأن فداحة ما على أرض العرب من رجعيات التقاتل، يعني ان صدقية القول بحاجة إلى جرعات أكبر وأوسع تدفع لمراجعة تراث كان السارية التي رفعت عليها "رايات" الموالاة والممانعة، سواء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق