بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 27 مايو 2014

مصر تتجرع الدواء المر

تجرعت مصر الدواء المر، وقررت خفض دعم الطاقة الذي يلتهم نحو 20 في المئة من الموازنة العامة، سعيا لعلاج إقتصادها الواهن المثقل بمتاعب شتى.
وبعد أن تحاشته طويلا خوفا من إثارة إحتجاجات شعبية في بلد أطاح برئيسين خلال ثلاث سنوات، خفضت مصر مخصصات الدعم السخي للوقود حوالي 22 في المئة في ميزانية السنة المالية الجديدة، لكنها عززت في الوقت نفسه شبكة الأمان الاجتماعي لتخفيف اثر رفع الأسعار على ملايين الفقراء.
فقد كشفت الحكومة المصرية أمس الإثنين عن الموازنة العامة للسنة المالية الجديدة 2014-2015، والتي تتضمن خفضا كبيرا في دعم المواد النفطية، وتستهدف نموا إقتصاديا بنسبة 3.2 في المئة، وتتوقع عجزا كليا بنسبة 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وقالت وزارة المالية في بيان صحافي إن الحكومة أحالت مشروع الموازنة إلى رئيس الجمهورية لإقراره.
ووفقا للبيان رفعت الحكومة حجم الإنفاق في الموازنة الجديدة نحو عشرة في المئة إلى 807 مليارات جنيه (112.94 مليار دولار)، ولكنها تتوقع إيرادات قدرها 517 مليار جنيه، وهو أقل من الإيرادات المتوقع تحصيلها في نهاية السنة المالية الجارية في يونيو/حزيران.
وجاء الإعلان أمس عن الموازنة الجديدة، التي يبدأ العمل بها في أول يوليو/تموز، مع بدء التصويت في إنتخابات الرئاسة المصرية التي يتنافس فيها قائد الجيش السابق عبد الفتاح السيسي مع المرشح اليساري حمدين صباحي.
وقال وائل زيادة، رئيس قطاع البحوث في المجموعة المالية «هيرميس» ان الحكومة تسعى في الموازنة الجديدة «إلى توصيل الدعم إلى مستحقيه بشكل أكبر».
وتوقعت وزارة المالية وصول عجز الموازنة الجديدة إلى 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي «أخذا في الإعتبار إفتراض تراجع المنح الخارجية».
وقدمت 3 من دول الخليج العربية، السعودية والإمارات والكويت، مليارات الدولارات في صورة أموال ومنتجات نفطية لمصر بعد عزل الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في يوليو/تموز الماضي.
وتتوقع مصر ان يصل عجز الموازنة في السنة المالية الحالية إلى 11.5 في المئة.
وأضافت الوزارة أن دعم المواد البترولية في الموازنة الجديدة يقدر بنحو 104 مليارات جنيه مقارنة مع 134.294 مليار جنيه في نهاية يونيو/حزيران 2014.
ويأتي خفض مخصصات دعم الطاقة بنسبة 22.2 في المئة عن الموازنة السابقة في وقت تسعى فيه مصر لتقليص الدعم السخي الذي يلتهم نحو 20 في المئة من إجمالي الإنفاق الحكومي.
وقال زيادة «الطبقات الأوفر دخلا في مصر هي التي ستشعر بزيادة الأسعار، لكن الطبقات الأقل دخلا ستكون الأقل تأثرا».
وتسعى مصر لإصلاح منظومة الدعم من خلال تدشين نظام للبطاقات الذكية لمراقبة الاستهلاك في محطات الوقود ومنافذ بيع الخبز المدعوم.
وقالت وزارة المالية ان إجراءات إصلاح الدعم تشمل «تحريك الأسعار (للمواد البترولية) مع ضمان عدم تأثر محدودي الدخل أو الفقراء.. والتوسع في إستخدام البطاقات الذكية لتوزيع المنتجات البترولية على المواطنين .. وترشيد الإستهلاك».
وتستخدم مصر عادة تعبير «تحريك الأسعار» للاشارة إلى رفع الأسعار في بلد يعيش نحو 25 في المئة من مواطنيه تحت خط الفقر.
ولم يتضح إن كانت الحكومة ستعمل بالأسعار الجديدة مع بداية السنة المالية الجديدة في أول يوليو/تموز.
وقال زيادة «الدعم بوجه عام فيه إرتفاع في الموازنة، ولكن الملاحظ أن نصف ما تم توفيره من دعم المواد البترولية ذهب لدعم الكهرباء».
ويبلغ دعم الكهرباء في الموازنة الجديدة 33.492 مليار جنيه بزيادة نحو 85.6 في المئة عن دعم السنة المالية الحالية.
وتسبب نقص الغاز أو أنواع بديلة من الوقود لتشغيل محطات الكهرباء في انقطاع متكرر للتيار خلال فصل الصيف في السنوات القليلة الماضية، وذلك في بلد يبلغ إستخدام مكيفات الهواء فيه ذروته بين مايو/أيار واُغسطس/آب.
وقالت وزارة المالية ان الموازنة الجديدة تشمل زيادة دعم السلع التموينية عشرة في المئة إلى 34.057 مليار جنيه.
ودعم الغذاء مسألة أخرى بالغة الأهمية لدرء إضطرابات إجتماعية في مصر، حيث أدت إحتجاجات إلى الإطاحة برئيسين في السنوات الثلاث الماضية.
وهناك أكثر من 18.2 مليون بطاقة تموينية في مصر تخدم حوالي 69 مليون موطن. وتنفق الحكومة المصرية، التي تعاني شحا في السيولة، ربع ميزانيتها على دعم الغذاء والوقود. ويغطي دعم الغذاء السكر والأرز والزيوت النباتية والقمح.
وقال زيادة انه رغم نمو الإنفاق على الصحة والتعليم والبحث العلمي في الموازنة الجديدة، إلا أن التحسن الذي كان يأمل فيه المواطن لن يكون بالشكل المتوقع.
ويزيد الإنفاق على الصحة في الموازنة الجديدة بنحو 22.7 في المئة ليبلغ 51.653 مليار جنيه. كما رفعت مصر الإنفاق على التعليم 13.3 في المئة إلى 105.349 مليار جنيه، ورفعت الإنفاق على البحث العلمي 17.5 في المئة إلى 2.200 مليار جنيه.
وقالت وزارة المالية إن الإجراءات الإصلاحية في الموازنة الجديدة «تستهدف الحد من الدين العام، من خلال الحد من عجز الموازنة العامة الكلية، لينخفض إلى نحو 288 مليار جنيه، أو ما يعادل 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بدلا من 342.3 مليار جنيه أو ما يعادل 14 في المئة في حالة عدم تطبيق الاصلاحات».
وتوقعت موازنة 2014-2015 نمو الإقتصاد بنحو 3.2 في المئة، مقارنة مع النمو المتوقع الآن في السنة المالية 2013-2014 التي تنتهي في 30 يونيو/حزيران والذي يتراوح بين اثنين و2.5 في المئة.
وفي خطوة تستهدف فيما يبدو تخفيف أثر تقليص الدعم، رفعت الحكومة مخصصات برامج الرعاية الاجتماعية 200 في المئة في الموازنة الجديدة.
وقالت وزارة المالية انها خصصت 12 مليار جنيه لبرنامج معاش الضمان الإجتماعي «بزيادة ثمانية مليارات جنيه.. تستهدف الحكومة مضاعفة عدد الاُسر المستفيدة من 1.5 مليون اُسرة إلى ثلاثة ملايين اُسرة».
كانت مسؤولة في وزارة المالية قالت لموقع (أصوات مصرية) التابع لمؤسسة تومسون رويترز أمس الأول ان الحكومة تدرس تقديم دعم نقدي لنحو 216 ألف اُسرة فقيرة بداية من السنة المالية الجديدة من أجل تخفيف أثر زيادة مرتقبة في أسعار الطاقة.
ويتراوح الدعم النقدي المقترح بين 300 و450 جنيها للاُسرة شهريا بناء على عدد أفرادها.
وسيستفيد من الدعم النقدي الاُسر التي لا تأخذ حاليا معاش الضمان الإجتماعي -المخصص للفئات الأشد إحتياجا- أو أي مساعدات مالية أخرى.
ووفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فان 26.3 في المئة من المصريين يعيشون تحت خط الفقر المدقع، على حوالي 7.13 جنيه يوميا للفرد، و4.4 في المئة تحت خط الفقر على حوالي 11 جنيها يوميا للفرد. وهناك 21.8 في المئة من السكان معرضون للسقوط في براثن الفقر مع أي هزة مالية.
ويكشف العنوان الفرعي «إصلاح منظومة دعم الطاقة دون المساس بالفقراء» في مشروع الموازنة عن مدى حذر الحكومة في التعامل مع قضية الدعم، كما يعيد إلى الأذهان شعار «لا مساس» بالأسعار الذي رفعته حكومات متعاقبة لدغدغة مشاعر الفقراء وتحاشي إثارة غضبهم.
وبالاضافة إلى «تحريك أسعار الوقود» قالت وزارة المالية إن اجراءات الإصلاح تتضمن حوافز لزيادة كفاءة استهلاك الوقود، والتوسع في إستخدام البطاقات الذكية لتوزيع الوقود، وترشيد الاستهلاك وتنمية مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة خاصة من الطاقة الشمسية.
ويعتبر كثير من رجال الأعمال في مصر خفض دعم الطاقة أمرا حيويا لاصلاح الإقتصاد، الذي يعاني من ضعف الجنيه، وإرتفاع البطالة، وتفاقم عجز الموازنة، وذلك رغم أن كثيرين منهم يستفيدون من دعم الطاقة للاغراض الصناعية.
وقال حسين صبور رئيس جمعية رجال الأعمال ان خفض الدعم «بداية جيدة طبعا. هذه أول حكومة تحاول أن تدخل هذا المعترك الصعب. 22 في المئة أقل مما أريده لكنها بداية جيدة يستحقون الشكر عليها».
وقال أحمد أبو هشيمة الرئيس التنفيذي لمجموعة حديد المصريين «أنا مع قرار خفض الدعم عن المواد البترولية. كل دعم بيروح (يذهب) لغير مستحقيه غلط .. لابد أن يوجه الدعم للتعليم والصحة».
(الدولار = 7.1451 جنيه مصري)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق