بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 12 مايو 2014

صعوبة توحيد الشيعة سرمد الطائي

الحديث عن كتلة التحالف الشيعي يطرح سؤالين: هل من الضروري توحيد الشيعة؟ وهل من الممكن توحيدهم اصلا؟ والخوض في هذه الاستفهامات سيعيننا على التوصل الى مستقبل اكثر من قضية حاسمة في السياسة العراقية.
وبالنظر الى السؤال الاول "هل من الضروري توحيد الشيعة" ستظل الاجابة معلقة بحسب القضية التي سيتوحدون عليها. فإذا كان الغرض هو الحفاظ على منصب رئاسة الحكومة، تخلصا من مخاوف التاريخ المشروعة وغير المشروعة، فإن القضية هذه حسمت منذ سنوات، واعترف بها كواقع حال، كل الاطراف الرئيسية. وقد شهدنا ذلك في ٢٠١٠ وكذلك في محاولة سحب الثقة من نوري المالكي، حيث قال الجميع ان الهدف هو دعم بديل للمالكي من الاحزاب الشيعية، يكون بمنهج معتدل تصالحي ويوقف مهزلة الازمات التي لا تنتهي الا بتخريب تسويات الامن والشراكة والتهدئة.
اذن لم يعد من الضروري توحيد الشيعة اذا كان الهدف هو ضمان رئاسة الحكومة، فما هي الاهداف الاخرى التي تجعل من توحيد الشيعة ضروريا؟
نعم يمكن ان يتوحد الشيعة على اساس برنامج لاصلاح الحال، وادارة حوار مع باقي الاطراف، ينقلنا من السياسات المتسرعة غير الآبهة بالمستقبل، الى سياسات مصممة بعناية، تقوم بالتطبيع مع الداخل والخارج وتخفيف سوء الفهم القاتل. وستكون وحدة الشيعة بهذا المعنى، بلورة لموقف وطني يطالب به عقلاء باقي الاطراف. وليت كل هذه الكتل الشيعية تجتمع لتخرج بموقف اعتدال عام سنرحب به جميعا. لكن هذه الفرضية هي التي تنقلنا الى السؤال الثاني: هل يمكن توحيد الشيعة على برنامج اصلاح، يحظى بدعمنا جميعا، علمانيين واسلاميين، من كل الاطراف؟
وهذا السؤال يقودنا مباشرة الى سياسات نوري المالكي التي اغضبت شركاءه الشيعة قبل غيرهم. ولذلك شهدنا اهم انقسام سياسي في مرحلة ما بعد صدام حسين، حين رفضت معظم الاحزاب الشيعية دعم نهج المالكي، ومغامراته، ولم تخضع لضغط ايران المتكرر بهذا الشأن طيلة اربع سنوات، ولهذه المعارضة يعود تصويت نحو نصف الناخبين الشيعة ضد سياسات المالكي، بما يعني ان التكتلات التي يتزعمها الحكيم والصدر، حصلت على دعم الجمهور لانها لم تدعم خيارات الاحتراب والتأزيم، وظلت تؤمن بجدوى السياسة والتفاوض وتدعو اليهما، وتؤيد برنامج الاصلاح السياسي الموقع في ٢٠١٠ والمتلكئ بسبب انقلاب المالكي على العملية السياسية، وشعوره بان انسحاب الجيش الاميركي كان نهاية لحقبة التسويات، وبداية ل"انتصار الدبابات" لصالحه شخصيا.
وعلى هذا الاساس لن يمكن توحيد الاحزاب الشيعية، بسبب اصرار المالكي، لا على صحة نهجه وحسب، بل على تبديد التنوع والتعدد السياسي في البلاد، ورفض اي نوع من انواع الشراكة، اعتزازا ب"حكمته الفريدة ونظرته السديدة"، التي لم تحسن البطش والقوة، ولم تحتفظ بالتسويات والاتفاقات.
ان عجز الشيعة عن صناعة موقف موحد ينتهي بالتهدئة، امر مؤسف ولا شك، لكن واحدا من الاشياء التي تمتحنا الامل بامكانية اصلاح هذا النظام السياسي، هو قدرة جزء من الساسة الشيعة (وشجاعتهم) على بناء تفاهم عابر للطائفة، ينطوي على مسؤولية تاريخية للشيعة كعنصر اساسي في الحركة الوطنية العراقية، واخراجهم النزاع في بلادنا من كونه طائفيا، الى تعارض وتنافس على اساس اختلاف حول فلسفة ادارة الدولة، ومفهوم الحكم المناسب للعراقيين.
التفاهمات هذه والتي لم تسعد بعض رجال طهران ولا المالكي، كانت مفيدة طيلة العامين الماضيين، في صناعة مواقف احتجاجية مهمة، وتمرير تشريعات حاسمة بعضها نقضها المحمود عبر المحكمة الاتحادية، لكنه سيظل ارضية اصلاح تشريعي سرعان مانعود اليها.
منذ تلك اللحظة التي انقسم فيها الشيعة كجزء من الانقسام الوطني حول نهج الحاكم، ادركت طهران ان العراق ليس ضاحية جنوب بيروت يمكن التحكم بها الى الابد، وكل العراقيين الذين يحرصون على علاقة طيبة بايران كجار كبير وتاريخي، يدعون طهران الى تفهم هذه الحقيقة، كجزء من تصحيح ضروري لعلاقاتنا مع كل المحيط الجغرافي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق