بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 11 مايو 2014

هل تراجع الغنوشي؟ ميرزا الخويلدي

هل تراجع الشيخ راشد الغنوشي عن رسالته النقدية الحادة لتجربة جماعة الإخوان المسلمين في مصر ونعتها بالصبيانية؟ أم أن الرسالة برمتها تعكس «أمنيات» البعض بحدوث مراجعة حقيقية لتجربة جماعة عمرها السياسي أكثر من 86 سنة، سرعان ما انهارت كبيت العنكبوت.
من أقدر من الغنوشي على نقد هذه التجربة؟ وهو الرجل الذي قاد تجربة مماثلة في تونس لتمكين حزب إسلامي من الوصول للسلطة، واضطر أن يصبح براغماتيا وأن يتقاسم الكعكة مع شركائه العلمانيين والاشتراكيين وغيرهم، وأن يعترف بأن الدولة ليست مزرعة لأي حزب أو جماعة. الغنوشي يمكنه أن يقدم النصيحة لزملائه في التنظيم العالمي لـ«الإخوان» الذي لا يبدو أنه أصبح مستعدا لسماعها.
أما الرسالة التي نفاها الغنوشي بعد انتشارها، فهي مداخلة مطولة إلى اجتماع لقادة التنظيم العالمي لـ«الإخوان» عقد في إسطنبول منتصف الشهر الماضي، وصف فيها ممارسات قادة «الإخوان» في مصر بـ«الصبيانية»، مما أثار استياء رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان الذي طلب من جماعة الإخوان في مصر عدم نشرها والتكتم عليه، ومن ثم اضطر الغنوشي لتوزيعها على قادة «الإخوان» بعد عشرة أيام من الاجتماع، رافضا قرار التنظيم العالمي بحفظها وكتمانها.
حتى الآن، لم نقرأ أو نشاهد أي مراجعة حقيقية لتجربة الإخوان المسلمين في مصر تحديدا، رغم أن الجميع يجمع على أن الجماعة ارتكبت أخطاء قاتلة أودت بها وبالبلاد إلى الحضيض.. لا أحد يريد أن يسلف خصومه موقفا، أو أن يبدي أي نزعة نحو الضعف والتراجع. دع عنك تلك المداخلات التبريرية التي ترمي اللوم على السلطة أو الخصوم السياسيين، أو حتى على الجمهور بوصفه مسلوب الإرادة وعديم الحيلة ومغسول الدماغ، وغيرها.
هذه الرسالة تنسب إلى الغنوشي قوله إنه تدخل عدة مرات لإقناع إخوان مصر بالتوقف عن التهام السلطة.. لكنهم رفضوا.. وهم فعلا لا يقبلون حتى من شركائهم في التنظيم، نتذكر كيف انقضوا على إردوغان في أول زيارة له إلى مصر في عهدهم حين اقترح عليهم فكرة أن تبقى السلطة (علمانية)..
والمشكلة أن الحركة لم تصدق حتى الآن أنها خسرت المعركة. هي تجد نفسها في لجة الصراع المحتدم، وفي الصراع لا أحد يلتفت إلى أخطائه، ولا أحد ينقد تجربته، لأنه مشغول بالتصويب تارة، والمناورة تارة أخرى.
لماذا تصبح المراجعة التي نتحدث عنها ضرورية..؟ لأنها السبيل لاستنقاذ شباب «الإخوان» من الوقوع في حبائل التنظيمات الأكثر تشددا، فإذا انفرط عقد التنظيم وسط مشاعر الاحتقان والإحباط، مع إيمان بالمظلومية الذي يغذيه الخطاب التبريري للقادة، تصبح حركات العنف الحاضن الوحيد لهؤلاء الشباب ولقواعد التنظيم، وتدخل البلاد في أتون الفوضى.
المراجعة من شأنها أن تضع الأمور في نصابها، وأن تنزع الشعور بالمؤامرة، وتكشف الأخطاء، وتحدد الفرص الضائعة، وتمنع مراكمة الأخطاء، والتصرف بهستيريا، وربما ساهمت في إنضاج خطاب عقلاني يمنع انهيار البلاد، فضياع حزب أو جماعة لا يساوي بالمطلق انهيار وطن بكامله.
رسالة الغنوشي المسربة، مهمة رغم النفي. ولعلها بداية الطريق لسيل من الرسائل المشابهة، لكنها تصبح أكثر أهمية إذا حملت أسماء حقيقية لأشخاص معروفين ولهم موقع اعتباري داخل الجماعة وقواعدها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق