بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 18 مايو 2014

إرهاب إسرائيل وأمن العرب - الفضل شلق

وجهت ثورة 2011 العربية ضربة إلى الأيديولوجيات الأصولية الإسلامية والقومية الاستبدادية والليبرالية والنيوليبرالية. انتهت مرحلة أيديولوجية، ولم تبدأ مرحلة أخرى بعد. لذلك يبدو للبعض ان قضية فلسطين قد تناساها الناس مع انخفاض وتيرة النقاش حولها. ليس الأمر كذلك. تموت الأيديولوجيا؛ لكن القضية لا تموت. تبحث كل قضية عن تعبيرات
متجددة. تصير هذه التعبيرات أيديولوجيا بفعل تراكم الأفكار. أما قضية فلسطين فهي لا تتعلق بأيديولوجيا بل بالوجود العربي، بما يشبه قضايا العيش والخبز والكرامة. تتغير أشكال النقاش حولها، لكن ذلك لا يعني زوال القضية والهواجس المتعلقة بها.

لن يكون الكيان الصهيوني مقبولاً لدى العرب لأنه لن يكون، ويرفض أن يصير جزءاً من طبيعة المنطقة. ستبقى إسرائيل كياناً مريضاً في جسم يريد معالجة نفسه. العلاج بالسياسة، بمشاركة الناس في تشكيل الإرادة الجماعية، ولا تريد إسرائيل ان تكون جزءاً منها؛ ستبقى كياناً غريباً مرفوضاً. هي غربة ناتجة عن تأكيد العنصرية ونفي السياسة. نعرف ساميَّتنا؛ وربما كانت السامية وهماً كما كل الهويات الباحثة عن أصول تاريخية، والأرجح انها كذلك؛ لكن اللاسامية هي بالدرجة الأولى عنصرية موجهة ضد أهل الأرض. نعرف من هم أهل الأرض، وليست إسرائيل من أهل الأرض.
وبرغم احتشاد الجماهير العربية في الميادين، وبرغم ممارستها للسياسة من بابها الواسع، وبرغم مناقضة السياسة للعنصرية من جميع أبوابها، ورغم أن الخوف صار من سمة الحكام لا المحكومين، وبرغم حرص حكام الاستبداد البؤساء، وربما بسبب كل ذلك جاء مَن يهددنا بحرب عالمية على الإرهاب، وجرى التحالف بين الاستبداد والإمبريالية في سبيل أهداف بات العرب يعرفون بإحساسهم العميق بوجودهم أن كل ذلك يستهدف وجودهم (لا مجرد أيديولوجيا) ويستهدف وجدانهم وعروبتهم. لا يؤاخذننا أحد على مشاعرنا النابعة من وجودنا؛ لا من إحساس بدونية الهزيمة بل من وجدان عميق بإنسانية القضية.
ليست مصادفة ان الإشكالية تحولت إلى مواجهة بين الأمن والإرهاب، بين الجريمة والإرهاب. الجريمة مسألة محاكم قضائية تتطلب وقتاً طويلاً بالمساءلة والبحث عن أدلة. الإرهاب مسألة سياسية لا تتطلب أكثر من حكم السلطة السياسية التي تتخذ القرارات من دون أدلة وتنفذها بشكل حاسم وحازم. الجريمة تتطلب الشرطة والقضاء. الإرهاب يتطلب الجيوش والحرب. والمشرق العربي مليء بالقواعد العسكرية (ولا يخلو من ذلك قطر عربي) التي تجعل الجيوش جاهزة للاحتلال أو ما يشبه ذلك. لم تكن مصادفة عزل الإرهاب عن الجريمة، ولا جعله النقيض للأمن. صارت الجريمة مسألة ثانوية، والإرهاب جوهر الإشكالية، وصار الحلف العالمي لمحاربة الإرهاب هو جوهر النظام العالمي، وصار العرب هم موضوعه.
وليست مصادفة ان هذا النظام العالمي يرفض تعريف الإرهاب وتحديده؛ يبقى الإرهاب مسألة سياسية، ويبقى خاضعاً للتحالفات التي يدخل فيها الصديق والعدو؛ نظام الاستبداد ونظام الديموقراطية المزعومة. ويبقى لأرباب النظام العالمي من هو هدف الحرب على الإرهاب؛ ولا يطلب من المتحالفين معه فهم أي شيء يتحدثون عنه.
أخذ الأمن مكان الأيديولوجيا، كي ينتهي الأمر بمطلب الاستقرار مكان التفكير. العقل يطرح شكوكاً وتساؤلات، يطرح مسألة الوجود كاستعصاء على النظام وعلى الأفكار التي يتشكل منها النظام.
لا ترتاح إسرائيل إلى زعزعة أسس الأيديولوجيات العربية السائدة منذ عقود. تعرف ان الأيديولوجيا المقبلة سوف تهدد وجودها. ترتاح فقط إلى الأمن الذي يمنع نشوء أفكار جديدة. وهذا الأمن المزعوم لا يتحقق إلا بحرب عالمية على الإرهاب وهي حرب تحالف الكثيرون فيها واصطفوا وراء قيادتها دون ان يعرفوا معنى المصطلح.
أكثر ما ترتاح إليه إسرائيل هو تحويل المواجهة بين الشعوب وأنظمتها، إلى مواجهة بين الأمن والإرهاب، بين أمن إسرائيل وإرهاب العرب. تعرف الشعوب العربية معنى ذلك، وتعرف ان الأمر ليس مصادفة.
الإرهاب تمارسه إسرائيل، والأمن محروم منه العرب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق