بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 21 مايو 2014

الاقتصاد التركي ليس في خطر ... ولكن - عامر ذياب التميمي

تمر تركيا بتطورات سياسية مقلقة لـ «حزب العدالة والتنمية» الحاكم، وعلى رغم أن اقتصادها حقق إنجازات مهمة في ظل حكومات هذا الحزب منذ 2001، ثمة سؤال: هل الإنجازات الاقتصادية التي تحققت كافية لإقناع الأتراك عموماً بأن اقتصادهم أصبح عصرياً وقادراً على أن يضاهي اقتصاداً أوروبياً متقدماً؟ هذا سؤال مهم جداً، خصوصاً أن الحكومة التركية لم تتوقف عن مساعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي على رغم ادعاءاتها بأنها ستتجه نحو بلدان الشرق الأوسط والبلدان الآسيوية والأفريقية لتوسيع نطاق علاقاتها الاقتصادية والتجارية.
ما يواجه تركيا في مسألة عضوية الاتحاد الأوروبي هو تعنت الدول الأوروبية الرئيسة، مثل فرنسا وألمانيا، في عدم قبول عضويتها لأسباب ثقافية ومسائل تتعلق بحقوق الإنسان والتقاليد الديموقراطية التي تزعم المجموعة الأوروبية أن تركيا حتى الآن لم تستوعبها في شكل واف. ربما هناك حقائق في ما يتعلق بالأمور السياسية والثقافية، فتركيا لا تزال تعاني قيم الاستبداد الشرقي الذي تعزز خلال حقبة السلطنة العثمانية على مدى قرون، كما أن قوائم منظمات حقوق الإنسان العالمية والمحلية حافلة بالتجاوزات التركية خلال السنوات المنصرمة، وحتى في ظل حكم «حزب العدالة والتنمية» الذي يزعم قادته بأنه جاء لينهي الاستبداد وحكم العسكر ويضع حداً لطغيان السلطة.
لكن ثمة جوانب أخرى مشرقة في النموذج التركي اتضحت خلال السنوات القليلة الماضية لا بد من الإقرار بها، حتى لو كانت هناك تفاوتات في الرؤية الاقتصادية بين المحللين والحزب الحاكم. فالناتج المحلي الإجمالي في تركيا بلغ العام الماضي 786 بليون دولار، بما جعل البلاد في مصاف البلدان الأساسية فتبوأت المرتبة الثامنة عشرة في ترتيب البلدان وفق قيمة الناتج. وعندما يكون عدد سكان تركيا 75 مليون شخص، فإن ذلك يعني أن معدل دخل الفرد السنوي يقارب 10 آلاف و500 دولار، ولذلك فإن تحسناً مهماً جرى لمستويات المعيشة للأتراك بما يمكّن من تعزيز القدرات الاستهلاكية وإمكانيات البلاد للاستيراد وخلق سوق مهمة للمنتجات المحلية.
ولا شك في أن هذا التحسن برز بوضوح في ارتفاع الطلب على المنتجات المستوردة التي بلغت قيمتها في 2013 ما يربو على 242 بليون دولار، في حين بلغت قيمة الصادرات التركية 168 بليوناً. وتؤكد بيانات التجارة أن تركيا سجلت عجزاً في الميزان التجاري بنحو 74 بليون دولار عام 2013، ما يعني ارتفاع المديونية الخارجية. ويقول المسؤولون الأتراك إن عجز الميزان التجاري ثم عجز ميزان المدفوعات من أهم ما يقلق الإدارة الاقتصادية، إذ يقدر عجز ميزان المدفوعات بنحو ثمانية في المئة من قيمة الناتج المحلي أو 63 بليون دولار.
وتمكنت الحكومة التركية على مدى السنوات الماضية من السيطرة على آليات السياسة المالية بما أدى إلى خفض العجز في الموازنة الحكومية في شكل مهم. وتمكنت الحكومة من تقليص العجز إلى 1.1 في المئة من الناتج المحلي، في حين أن البلدان المنضوية في اتفاق ماسترخت الأوروبي تسعى جاهدة إلى جعل النسبة لا تتجاوز الثلاثة في المئة من الناتج المحلي لأي من البلدان الأعضاء.
وهناك مشاكل مهمة تواجه الإدارة الاقتصادية لا بد من مواجهتها وعدم الاعتماد على أداء الاقتصاد الكلي الإيجابي. مثلاً، كيف تمكن معالجة الديون العامة التي تبلغ 275 بليون دولار وتمثل 35 في المئة من قيمة الناتج المحلي؟ هذه نسبة قد لا تكون مرتفعة إذا قيست بالديون السيادية لدول أوروبية ولكنها تظل وفق القيمة المطلقة عالية وتتطلب مزيداً من الإصلاحات المالية. ولا بد أن تكون هناك رؤية للحكومة في مسألة هذه الديون وكذلك الديون الخارجية التي تنتج من ارتفاع قيمة الواردات وعدم تطور الصادرات إلى مستوى يغطي عجز الميزان التجاري.
وهناك مسائل أخرى يجب أخذها في الاعتبار في التطورات الاقتصادية الراهنة. قد يكون معدل النمو الاقتصادي مناسباً، إذ بلغ أربعة في المئة عام 2013، ويقدر الاقتصاديون بأن هذا المعدل سيتراوح بين أربعة وخمسة في المئة سنوياً حتى عام 2016، لكن يجب الانتباه إلى أن معدلات التضخم والبطالة لها تأثيراتها الاجتماعية المحتملة، خصوصاً في المناطق الأقل نمواً. وقدّر معدل البطالة في الوقت الراهن بنحو 10 في المئة في السنة الماضية وربما ينخفض إلى مستوى أقل ما لم تؤدِّ الاحتجاجات السياسية إلى تراجع في سعر صرف العملة وتزايد في التضخم.
وواجهت الليرة في الشهور الماضية تراجعاً في سعر صرفها، إذ بلغ سعرها أخيراً نحو 48 سنتاً. لكن هذا المستوى أفضل من سعر صرفها في كانون الثاني (يناير) حين بلغ 41 سنتاً. وربما جاءت بيانات الحساب الجاري، التي بينت أن العجز في ميزان المدفوعات كان 3.2 بليون دولار في آذار (مارس) الماضي، ما يعد تحسناً عن التوقعات التي أشارت إلى 3.3 بليون دولار.
ومهما يكن من أمر، فإن الأوضاع الاقتصادية في تركيا تؤكد أهمية الحفاظ على زخم الأداء من خلال تعزيز الاستقرار السياسي والتفاعل بين أطراف المعادلة السياسية بما يبعث على كسب الثقة من مجتمع الأعمال المحلي والعالمي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق