بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 9 مايو 2014

العراق: ولادة الناخب الكردي على حساب الأحزاب هَلْكَوْت حكيم

بيَّن مشهدُ أداء الانتخابات في كردستان وعياً شعبياً لهذه العملية السياسية الوليدة ادهش الاحزاب الكردية الحاكمة او التي تسعى الى الحكم، وتجاوز ما كان يتوقعه المراقبون الدوليون والدول المراقِبة، في المنطقة خصوصاً. فالهدوء والمشاركة العالية، على رغم التذمر من أداء السلطات وانتشار الفساد واللاعدالة، أظهرا تقدير الناس لدور صناديق الاقتراع والتصويت في ضمان مستقبل سياسي للشعب الكردي وكيانه الجديد.
وما ادهش الأحزاب الكردية ذاتها النتائج التي لم تكن تتوقعها. وهي نتائج ستدفعها الى الاستماع الى مطالب المواطنين عبر مواجهة الفساد واللاعدالة الاجتماعية والاقتصادية مما يتفــشى في شكل مرعب ومزرٍ في كردستان العراق.
على النطاق الكردي، حيث أُجريت انتخابات لجان المحافظات الكردية للمرة الأولى منذ ثماني سنوات الى جانب الانتخابات البرلمانية العراقية، قدمت النتائج للسلطات والأحزاب درساً جديداً حول الواقعية السياسية. فالحزب الديموقراطي الكردستاني والمعارضة القومية المتمثلة في حركة التغيير لم يحصلا على ما كانا يؤكدانه ويتوقعه الجميع من استمرارية تقدمهما عن نتائج الانتخابات البرلمانية الكردية لعام 2013. ومع أن الاول بقي القوة الاولى في معقله السياسي والثقافي في مدينة دهوك وعاصمة الاقليم اربيل، وحصلت حركة التغيير في معقلها السليمانية ومنطقة كرميان على المرتبة الاولى، إلا ان نتائجهما في شكل عام لم تكن بالمستوى المنتظر. وازداد، من دون توقع، عدد المصوّتين للاتحاد الوطني الكردستاني الذي مني بهزيمة مدوية ومتوقعة في انتخابات العام الماضي، بحيث ازداد حديث الناس والمعلّقين عن اقترابه من النهاية مع اقتراب الانتخابات البرلمانية والمحلية. ويرجع السبب في عودة الاتحاد الوطني، كما يحلل المتابعون، الى الشريط المؤثر الذي اظهر رئيسه جلال الطالباني وهو يصوت قاعداً على كرسي مدفوع، تعلو وجهه الشاحب ابتسامة تتحدث مع مؤيديه التاريخيين. ويضاف الى ذلك اعتماد الحزب اسلوباً اكثر تواضعاً وقرباً من منهجه التاريخي في خطاباته وحملته الاعلامية منذ هزيمة العام الماضي. فهذا ما قاد الى ازدياد عدد اصوات الاتحاد حتى في معقل حليفه الديموقراطي دهوك، وعودته بقوة في مدينة السليمانية ليثبت وجوده وديمومته أمام منافسه حزب التغيير الذي ولد من اضلاعه وعلى ارضه نشأ وتربى. وإذا أُضيفت نتائج الحزبين، فإنهما كتيار كان في السابق واحداً ومنافساً للحزب الديموقراطي الكردستاني، ما يضع الاكثرية من دون شك في عهدتهما على نطاق كردستان.

ويمكننا ان نستنتج من الانتخابات المحلية ايضاً تراجعاً كبيراً للإسلام الكردي برمّته على رغم تقدمه في البرلمان العراقي، على ما تقول الأرقام المنشورة حتى الآن. فلم تحصل الاحزاب الاسلامية في مجموعها على النسبة التي كانت تنتظرها. وبقيت دون النسبة التي وصلت اليها في انتخابات برلمان كردستان في العام الماضي حيث حصدت ما يقرب من 17 في المئة من اصوات الناخبين. وتدل المعلومات ايضاً إلى انها لن تتجاوز الـ14 في المئة من المجموع الكلي. تأتي هذه النتيجة في وقت تحوز فيه الاحزاب القومية الكردية 81 في المئة من الأصوات، وهذا دليل إلى فشل الإسلام السياسي الكردي لأسباب عدة وإلى عدم قابليته لفهم المتغيرات.

وعلى نطاق العراق، ففي الانتخابات درسان اولهما: فشل المالكي في تعبئة العراقيين العرب ضد الاكراد ونجاحه، على عكس المرام، في حشد الاصوات الكردية وتشجيعها على المشاركة في الانتخابات، مدفوعين بشعور الخوف التاريخي من خطابات كتلك. فما قام به في الاشهر الاخيرة رئيس وزراء العراق من تحريض وتحريك للمشاعر العربية ضد الاكراد لم يجنِ له الثمار الانتخابية العربية. فالعراقيون العرب رفضوا تنصيبه ”ولي دمهم“ يتقاضاه ”دماً بدم“، كما اراد. فالناس رأوه حاضراً مع كاميرات التلفزيون امام جثة صحافي مقتول برصاص كردي متهور وغائباً عن مشاهد جثث المئات من العراقيين، صحافيين كانوا أم غير صحافيين، ممن يقعون برصاصات عربية. ورأوه يُوَظِّف مأساةَ انسان لأهداف انتخابية ضيقة وبخطاب يبشر بالدم لا بالعدالة.

ويأتي الدرس الآخر في الانتخابات الكردية من مدينة كركوك حيث صوّت الأكراد ضد تفتت القوائم الكردية وساندوا القائمة التي قادها محافظ المدينة اذ اعتبروها قريبة منهم وبعيدة من المشاحنات والصراعات الحزبية الضيقة. فحصدت حتى الآن خمسة مقاعد في البرلمان العراقي من مجموع ستة للأكراد، أي العدد نفسه في البرلمان السابق. ولم يحصل الحزب الديموقراطي الكردستاني المعارض لقائمة يرأسها المحافظ إلا على مقعد واحد.

لقد اصبح الناخب الكردي يملك حس النقد والقرار او في طريقه اليهما. وهو سيحاول مستقبلاً ان يتخلص من وضعه السابق كبيدق لهذا الحزب او ذاك. فكأن الانتخابات الاخيرة بداية لانعتاقه من هذه الصورة. وهكذا نراه لا يؤيد سياسة الحكومة الكردية في مواجهة بغداد، ويعتبر أن سياستها النفطية تدر عليها وعلى فئات محدودة أموالاً طائلة لا ترى غالبية الاكراد فوائدها. والمسؤول الاول عن هذه القضية، كما تشير نتائج الانتخابات، هو الحزب الديموقراطي الكردستاني المسيطر على الحكومة الكردية. لذا نراه يدفع الثمن انتخابياً. فالكردي يعبر عن غضبه ضد الفساد المنتشر في كردستان ويصوّت ضد سياسة المالكي تجاهه، أكانت بقطعه رواتب الموظفين الاكراد ام باستغلاله مقتل انسان دون مئات آخرين.
* كاتب كردي وأستاذ في جامعة باريس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق