بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 31 مايو 2014

السيسي و«خارطة الفشل»: شعبية متآكلة وتحديات قاسية

جاء «التفويض الانتخابي» الذي كان من المفترض ان يحصل عليه المشير عبد الفتاح السيسي من الانتخابات الرئاسية، اقل كثيرا من المتوقع، باعتراف النظام نفسه، وبالرغم من التضارب بين ارقام مؤيديه في وسائل الاعلام المصرية والتي تتراوح بين اثنين وتسعين الى ستة وتسعين، وهي ارقام يرفضها بالكامل منافسه حمدين صباحي وان اقر بهزيمته في الانتخابات.ويجمع المراقبون على أن ضعف الإقبال وارتفاع اعداد المقاطعين والمبطلين، قد يضعفان سلطة السيسي لإجراء تغييرات سياسية صعبة وهامة مثل قطع الدعم او حتى ترشيده، وهو الذي يلتهم جزءا كبيرا من الميزانية.وتمثل هذه الاعداد الكبيرة نذيرا بأن شعبية السيسي تآكلت كثيرا خلال الشهور الماضية، ما ينذر بمزيد من التدهور وهو يطبق برنامج التقشف الاقتصادي الذي ربما يتطلب من المصريين أن يشدوا الأحزمة أكثر من أي مرحلة في السنوات الثلاث الماضية، او في حال فشله في انجاز تحولات ملموسة على المستويين الامني والاقتصادي بشكل خاص.وحتى بين الذين يشعرون بالامتنان لدوره في اطاحة الرئيس المعزول محمد مرسي، فان البطون الجائعة والاعين المتطلعة الى الحرية قد تصاب بفقدان الذاكرة بمرور الوقت.
وعلى المستوى السياسي فان الاستعانة بـ «الفلول الذين لم يتورطوا في فساد» ستؤدي الى رسم صورة اكثر احباطا للجموع الضخمة التي خرجت في ثورة يناير، عندما يرون رموز الرئيس المخلوع حسني مبارك يعودون الى تصدر المشهد السياسي او الاقتصادي بعد الاعلامي.
لقد تركت الانتخابات الرئاسية المجتمع المصري اكثر انقساما مما كان عليه، كما يتضح من نسب المشاركة، كما ان الدولة فشلت بامتياز في الحفاظ على حيادها، وأدت الحملة الهستيرية التي شنتها لتعزيز المشاركة في الانتخابات الى الاضرار بمصداقية العملية الانتخابية أمام المصريين بشكل عام، وعلى أنصار مرسي بشكل خاص الذين اصبحوا يشعرون بالياس من ان يسمح لهم بالعودة عبر الصندوق الانتخابي.
اما على مستوى الحريات العامة، فان مزيدا من التضييق على الأصوات المعارضة او المستقلة، سوف يؤدي الى المزيد من المعارضة بين الشباب للسيسي، وبالتالي عودة اشكال العمل المناهض للنظام في ايام مبارك الاخيرة.
وكان السيسي اعلن موقفه بوضوح من دعم قانون التظاهر، وبالتالي فانه يرفض ضمنيا التدخل في صالح اي من المحكومين بالسجن بسبب مخالفته. وربما لا يمثل هذا الموضوع اهمية مباشرة للقاعدة الشعبية في مصر، الا ان التاريخ الحديث لمصر يجب ان يعلم اي رئيس من اللعب بنار غضب الشباب عندما تختلط بحالة من الاحتقان الشعبي.
ومع مرور الوقت سترتفع وتيرة التساؤلات حول العلاقة بين رئاسة الجمهورية، خصوصا في ظل صلة النسب بين السيسي ورئيس الاركان الذي زار احدى اللجان الانتخابية الخاوية، وأدلى منها بتصريحات تلفزيونية دعا فيها الشعب الى الادلاء بصوته (..).
وحتى على مستوى الخطاب الديني الذي تعهد السيسي باصلاحه، فانه من غير الواضح كيف سيعمل على تحجيم الازهر الذي اصدر فتوى تحث الناس على التصويت، او الكنيسة التي استنفرت لحشد الاقباط، لدرجة ان احدهم كتب على يافطة انتشرت صورها على مواقع التواصل الاجتماعي (الرب يسوع يدعوك الى تأييد السيسي).
اما على المستوى الاقتصادي فقد اعفى المشير نفسه من اي التزامات قصيرة الاجل، لكنه تعهد بان «يشعر المصريون بتحسن خلال عامين»اذا حصل على التمويل الضروري البالغ تريليون جنيه مصري (نحو مئة واربعين مليار دولار)، وهو مبلغ ضخم، من المستبعد ان تؤمنه دول الخليج، المعنية بألا يفشل لكنها ليست متحمسة لخلق جمال عبد الناصر آخر في العالم العربي. وهكذا سيكون دعمها المالي بما يكفي للاقتصاد ان يسير ولو متعثرا لكن ليس لان يطير.
وبين مطرقة الاقتصاد وسندان الشعبية والامن، سيجد السيسي نفسه مقيدا باجندة خارجية وضغوط داخلية قد تمنعه من الذهاب بعيدا في احلامه، بل وقد تحوله من رئيس كامل الصلاحيات الى «قائم بالاعمال» ليس مسموحا له بتغيير المسار او حسم اي ملفات باستثناء استئناف تيار الاسلام السياسي، ما عدا التيار السلفي المدعوم من بعض دول الخليج.
الواقع ان النجاح او الفشل سيعتمد على عوامل عديدة متداخلة، الا ان نتيجة الانتخابات تظهر بوضوح ان استراتيجية الاعتماد على وسائل الاعلام لخلق حالة من تزييف الوعي الجمعي، فد اثبتت فشلها، واذا اصر النظام على اعتمادها كما بدا الحال في اللقاءات الاعلامية الاولى للمشير فانه يكون قد رسم بيديه خارطة جديدة للفشل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق