بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 20 مايو 2014

بصراحة من الأردن… نجح ‘أبونا’ وأخفق ‘الإمام’ بسام البدارين

واضح تماما ان تصرفات ساذجة من بعض ‘المتأسلمين’ في بلد تميز دوما بمظاهر التسامح فيه مثل الاردن لا تقف تأثيراتها السلبية عند استدعاء كل سجل المشاهد المؤلمة والمحزنة التي تبث في الفضاء العربي عن الكراهية وثقافة عدم التعايش. بل تزيد هذه التاثيرات السلبية لصالح تكريس حالة فصام لا مبرر لها في المجتمع الاردني المستقر الآمن المتسامح وهو فصام قد يخدم بعض البؤر الموتورة في الواقع السياسي والاعلامي والبيروقراطي.
لكنه في الأغلب الأعم والمستوى الاعمق يدفع تقاليد مستقرة في المجتمع الاردني الى التآكل ويعبث في وقائع كانت دوما مثالا يحتذى في اعتدال الشخصية الاردنية ومزاجها العام.
.. اكتب هذا الكلام بصراحة بعد الاصغاء لحادثة مؤلمة فيها الكثير من التزيد والجهل والادعاء بدون مسوغات لا شرعية ولا وطنية.
تبدأ القصة من حافلة لاحدى المدارس الخاصة في العاصمة عمان تقرر جولة ميدانية لخدمة التعايش الديني عشية الرسائل المعتدلة التي تصدر في السياق عن المؤسسة السياسية وعن بابا الفاتيكان الذي يزور المنطقة في الرابع والعشرين من الشهر الحالي. يقرر المشرف على الرحلة الطلابية لتلاميذ دون سن العاشرة زيارة احدى الكنائس غربي العاصمة عمانوبالتوازي زيارة مسجد كبير يحمل اسم الملك الراحل الحسين بن طلال.
الراعي للكنيسة ضرب مثالا يستحق الاحترام عندما استقبل التلاميذ الصغار بدون اي محاولة للتدقيق في بند ‘الديانة’ في سجلاتهم المدنية ودخل الطلاب الى مقر الكنيسة مستمعين معا بصرف النظر عن هويتهم الدينية الى خطبة ابوية عن الوحدة الوطنية والتعايش والتسامح والايمان المشترك بالوطن الاردني. 
حرص راعي الكنيسة الذي اشكره بجرأة عبر مقالي على وجود نسخة من المصحف الكريم الى جانب الانجيل على منصته امام وفد التلاميذ الذي يضم مسلمين ومسيحيين من الاناث والذكور.
المشهد نفسه وعند زيارة المسجد لم يتكرر فالرجل المعين من قبل وزارة الاوقاف الاردنية بدا منفعلا وهو يستقبل التلاميذ مصرا على تصنيفهم الى ثلاث فئات تجمع الذكور منفردين ثم المسلمين من الطلاب واخيرا المسيحيين. 
الفتيات اللواتي يضعن اي قطعة قماش على اكتافهن تمكن من دخول بوابة المسجد بعد تغطية الرؤوس اما اللواتي اخفقن في تغطية الرؤوس وبصرف النظر عن دينهن فحظين بفرصة العبور فقط على بلاط المسجد الامامي فيما تم طرد الاطفال الذكور حتى يدخلوا المسجد وحدهم منعا لاختلاط. لا املك الحق في مناقشة الاجتهاد الشرعي لمثل هذا التصرف الغريب لكن من الواضح ان اداء موظف الاوقاف لا يتميز بالكياسة ولا يمكنه بحال من الاحوال ان يخدم امة الاسلام والمسلمين فنحن نتحدث هنا عن اطفال دون سن العاشرة ينظم الشرع بوضوح كيفية لباسهم ومستوى براءتهم.
ونتحدث عن رسالة نجح فيها الراعي المسيحي بصراحة ووضوح فيما اخفق فيها موظف الاوقاف وبطريقة تدعو الى الحزن والبؤس فالمساجد والكنائس تبنى بجانب بعضها في بلد مثل الاردن وعشرات من الشباب في مدينة مادبا التي يوجد فيها مجتمع مسيحي سارعوا في احدى السنوات ومن المسلمين والمسيحيين معا في بناء مسجد وسط المدينة وبسبب دور الكنيسة في بناء هذا المسجد والاطمئنان على الامام المسلم المريض اطلق اسم مسجد السيد المسيح عليه السلام.
لا اعتقد شخصيا بان موظف الاوقاف الاردني خدم الاسلام والمسلمين بسلوكه الغريب ولا اعتقد بانه التزم بتعليمات من وزارة الاوقاف في السياق نفسه فالعديد من الوزراء وقد يكون وزير الاوقاف الحالي بينهم تصاهروا مع عائلات مسيحية ومع فتيات دخلن الاسلام دون الغرق في حسابات ضيقة لا مكان لها من الاعراب في عمق وتركيبة المجتمع الاردني.
يقسم احد الاصدقاء بان جارة والدته المسيحية في مدينة السلط كانت تحرص في شهر رمضان المبارك على اعداد وجبة السحور له ولاصدقائه على بوابة البيت كل ليلة رغم انه لا يؤدي فريضة الصوم.
ويقسم اخر بان قيادات من المجتمع المسلم في مدينة الفحيص غربي العاصمة كانت تثق بالمرجعيات المحلية المسيحية في القضايا الاجتماعية المحافظة اكثر بكثير من ثقتها بالمسلمين.
هذا النمط من التأسلم يشوه صورة الاسلام ولا يعكس رسالته الحضارية الحقيقية خلافا لانه يشذ عن قواعد التسامح ويذكرنا بان الكراهية كجريمة القتل لا دين لها ولا طائفة ولا اصل ولا منبت.
يكفينا في هذه الامة القشعريرة التي تجتاح اوصالنا ونحن نشاهد في سورياوالعراق مشاهد مؤلمة للغاية يدعي اصحابها بانهم يمثلون الله والسماء والاسلام وهؤلاء يمارسون كل هذا العسف باسم الدين في منطقة احتضنت رسالات كل الاديان والأنبياء.
المثقف المسيحي الاردني العربي خلدون الداوود ابن مدينة الفحيص البار ابلغني شخصيا بان ابناء نهر الاردن مسألة تعني القفز على كل الهويات العرقية والفرعية.
والشاعر المسلم الراحل حبيب الزيودي رحمه الله كان يعزف سيمفونية التعايش والوحدة وهو يؤكد لي شخصيا في رسالة شهيرة نشرتها هذه الصحيفة بان الاوطان ملامح وليست حكومات ونخبا وشعوبا وترابا.
الثقة حاصلة بان تصرف خادم المسجد لا يعكس روح المجتمع الاردني ولا يمثل المسلمين بحال من الاحوال لكن في زمن الجرائم والسحل والقتل على الهوية ينبغي على وزارة الاوقاف ان تتدخل وبحزم فالمساجد لله ولجميع الاردنيين والسيرة النبوية العطرة مليئة بقصص التعايش والتسامح واحترام الجار والشريك المسيحي.
وفكرة القيادة الاردنية عن قيمة التعايش الديني في الاردن ينبغي ان لا تبقى رسالة اعلامية فقط وان تتحول الى منهج جذري يلزم جميع الاطراف خصوصا وانه لا مجال للمزاودة على وطنية المسيحيين العرب في الاردن وفلسطين وكذلك في العراق وسوريا فقد كانوا دوما جزءا اصيلا من هذا التراب والهجمة التي تتخذ شكلا دينيا احيانا على الاسلام والمسلمين تقف في حالة خصومة لا مجال لنكرانها مع الشرفاء من مسيحيي الشرق والعرب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق