بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 20 مايو 2014

مستقبل الصناعة التحويلية في العراق - ذكاء مخلص الخالدي

استقطبت الشركات المختلطة في العراق في ثمانينات القرن العشرين اهتماماً كبيراً من الأفراد والدولة على حد سواء، فاهتم الأفراد بشراء الأسهم فيها وأصبحت بذلك منفذاً لمدخراتهم ومشجعاً لهم على زيادة الادخار والتقليل من الاستهلاك غير الضروري في مقابل ما كانت توزعه لهم من أرباح وأسهم مجانية.
وتمتعت تلك الشركات أسوة بالشركات الخاصة وشركات القطاع العام بدعم الدولة من خلال تأمين العديد من المدخلات بأسعار رمزية بالإضافة إلى السياسة التجارية الحمائية التي كانت تحمي الصناعة الوطنية من المنافسة الخارجية. وفي التسعينات وعلى رغم ظروف الحصار الاقتصادي وانحسار الدعم الحكومي، ظلت تلك الشركات تعمل وتنتج وتوزع الأرباح.
ولكن بعد احتلال العراق في 2003 واستمرار الأوضاع الأمنية المضطربة في بعض المناطق وانفتاح الأسواق العراقية على السلع من كل المصادر، بدأت النشاطات الإنتاجية والتسويقية لهذه الشركات تنحسر إلى حد أن العديد منها أصبح في وضع لا يستطيع فيه دفع رواتب موظفيه. ويعزو المعنيون ذلك إلى تعرض منتجات هذه الشركة إلى منافسة شديدة من السلع المستوردة من دول الجوار.
ويلاحظ المقيم والزائر فقدان السلع المحلية الصنع من الأسواق إذ حلت محلها البضائع التركية والإيرانية والصينية في شكل رئيس. وأغلقت الصناعات الحرفية التي تدخل في نطاق المشاريع الصغيرة والتي افتتحها بعض الشباب من خريجي جامعة التكنولوجيا وعوضوا من خلالها الاقتصاد العراقي عن بعض السلع الميكانيكية التي كان صعباً عليه مع ظروف الحصار استيرادها، ما أمّن صناعات محلية بديلة عن السلع المستوردة. وكانت تلك الورش مجالاً لتدريب الطلاب الجدد في الجامعة ذاتها.
وعلى رغم أن العراق لم ينضم بعد إلى منظمة التجارة العالمية، ثمة انفتاح غير محدود أمام السلع المستوردة. وحتى بعد أن ينضم العراق إلى المنظمة فسيستطيع ترتيب التزاماته في شأن خفض التعرفة الجمركية في شكل لا يؤدي إلى إنهاء صناعاته المحلية.
ويبدو من تخصصات الموازنة الاستثمارية العراقية، وتوزيعها أن اهتمام الحكومة في قضايا التنمية منصّب على قطاع النفط في شكل أساسي بهدف زيادة القدرة الإنتاجية والتصديرية للعراق لكون موارد النفط رافداً سهلاً ووفيراً للموازنة.
أما قطاع الصناعة التحويلية فكل المؤشرات تبين أنه لا يأخذ أهمية في الاستراتيجية التنموية الحالية للحكومة على رغم التصريحات الرسمية التي تشير إلى خلاف ذلك. فنشاطات شركات القطاع العام والشركات المختلطة والشركات الخاصة كلها في تراجع، وكثيرة هي مشاريع القطاع الخاص التي مرّ على إغلاقها أكثر من عقدين بعد توقف بعضها عن العمل بعد فرض الحصار الاقتصادي في 1991، وتوقف بعضها الآخر بعد الحرب الأخيرة على العراق في 2003.
وعلى رغم أن سياسات الدعم الحكومي المتعدد الأشكال والسياسات التجارية الحمائية السابقة شجعت كثيراً الاستثمارات الخاصة غير الكفوءة والتي أغلق العديد منها بعد توقف الدعم، إلا أنها كانت منفذاً لاستيعاب اليد العاملة، خصوصاً الطاقات الشابة، في ظل تراجع دور الدولة في تأمين الوظائف وفرص العمل. وكان ممكناً مساعدة تلك الصناعات على البقاء والعمل بنجاح من خلال تدرج في تقليص الدعم وفتح الأسواق.
يفرض واقع قطاع الصناعة التمويلية الحالي على الحكومة العراقية المقبلة أن تعلن في شكل واضح مفردات سياستها الخاصة بمستقبل قطاع الصناعة التحويلية في العراق، وتضع الخطوات العملية التي تنوي تنفيذها لتحقيق هذه المفردات، وأن يقوم مجلس النواب المنتخب بمتابعة تنفيذها وتقويمها مع الأطراف المعنية. وبخلاف ذلك يدعو الوضع الحالي للصناعة التحويلية إلى كثير من القلق على مستقبلها.
كاتبة متخصصة بالشؤون الاقتصادية - بيروت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق