بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 8 مايو 2014

حلف العصابات والكرملين ضد الدولة الأوكرانية - مارك غاليوتّي

برز نموذج جديد من النزاعات غير المتكافئة تتوسل فيه موسكو عصابات إجرامية وعدداً من عملائها من أجل بسط نفوذها. وثمة عصابات أوكرانية بعض رجالها نافذ وبعضهم ثانوي، يمدونها بكل ما تحتاج اليه من شبكة حلفاء موالين لها إلى عرض العضلات في الشارع وصولاً إلى اللجوء لقوتها، فموسكو تتوسل العصابات الإجرامية أداة سياسية وحربية لبسط نفوذها. ويتعذر إحصاء عملاء الأجهزة الروسية، القوات الخاصة على وجه التحديد، المنتشرين في شرق أوكرانيا. ولكن لا شك في أن شطراً راجحاً من المسلحين الملثمين الذين يحتلون المباني ويشتبكون مع القوات النظامية هم من السكان المحليين، وبينهم منشقون عن قوات الشرطة الخاصة ومتطوعون روس عبروا الحدود للمشاركة في النزاع. وعدد من قادة القوات شبه العسكرية هم رجال عصابات اقتنصوا فرصة البروز من العالم السفلي ودهاليز قوته إلى «السطح» ومسارح قواه. وتبين أن مَن قيل إنه لفتنانت كولونيل روسي إثر ظهوره وهو يعرِّف شرطة هورليفكا على قادتها الجدد منتصف الشهر الماضي، هو أحد مجرمي المنطقة.
ولا يخفى ان هذه الظاهرة وثيقة الصلة بالتفاف أذرع أخطبوط العصابات حول الدولة الأوكرانية في عهد القيادات السابقة. ففي التسعينات، ارتفعت معدلات الجريمة المنظمة في أوكرانيا جراء وهن الدولة التي انصرفت إلى إرساء نظام سياسي واقتصادي جديد. وجبهت روسيا المشكلة نفسها في تلك المرحلة. والعصابات كانت تسرح وتمرح في أوكرانيا من غير رقيب أو حسيب، وبرزت نخب جديدة مزجت بين عالم الإجرام والمؤسسات السياسية والاقتصادية. ولكن على خلاف كييف، روّضت موسكو- على رغم أنها لم تفلح في ترجيح كفة الدولة- الجريمة المنظمة وجرتها إلى الانضواء تحت هيمنة النخب السياسية.
أوكرانيا انزلقت إلى الأزمة الأخيرة فيما العصابات الإجرامية تنخر بناها على يد مسؤولين فاسدين ورجال أعمال أوليغارشيين. والجريمة المنظمة في البلد، وليس في المناطق الشرقية فحسب، مرتبطة بالشبكات الإجرامية الروسية. ورئيس الوزراء الجديد في القرم، سيرغي أكسيونوف، كان في التسعينات زعيم عصابة ملقباً بـ «غوبلن» (نفى في الماضي الزعم هذا وتوجه إلى القضاء لدحض التهمة عنه، إلا ان المحكمة رفضت دعواه). والنخب السياسية الجديدة هناك تتحدر من النخب القديمة الوثيقة الصلة بمجرمين أثرياء معروفين. ويقول مسؤول أمني بارز في أوكرانيا أن العلاقات قوية بين شبكة سلونتسيفو، أكبر الشبكات الإجرامية في روسيا، وبين «عشيرة دونيتسك»، وهي دائرة سياسية- اجرامية نافذة في دونيتسك. والمدينة الصناعية هذه في شرق أوكرانيا هي مركز نفوذ الرئيس الأوكراني المخلوع فيكتور يانوكوفيتش، وحزبه «حزب المناطق» هو «جنة مجرمي دونيتسك (ملاذهم الآمن)»، وفق برقية أرسلتها السفارة الأميركية في كييف إلى مجلس الأمن القومي الأميركي في 2006. وأقبل أرباب العصابات ورجالهم على رفع لواء قضية الانفصال: وشوهد 7 منهم في صفوف البلطجية الذين ضربوا المحتجين السلميين في كييف. وفي آذار (مارس) الماضي، دق مدع عام في دونيتسك ناقوس الخطر وحذر من جيش من قطاع الطرق والسفاحين تحركه موسكو وشبكاتها الإجرامية.
والعصابات الأوكرانية كلها ترتبط بروسيا، فمرفأ البحر الاسود في أوديسا هو ملاذ المهربين ومحور بارز في شبكة روسية تهرب الهيرويين الأفغاني من القوقاز إلى أوروبا. وعصابات غرب أوكرانيا تهرب البشر والهيرويين والسجائر إلى أوروبا- وهذه «قطاعات أعمال» وثيقة الارتباط بالشبكات الروسية.
ولم ترم الانتفاضة ضد يانوكوفيتش إلى التقارب مع الاتحاد الأوروبي أو الاحتجاج على القمع فحسب، فهي كذلك من بنات الغضب إزاء الفساد والإجرام اللذين ينهشان بنى الدولة، ولا يستسيغ إعلام النظام السابق مثل هذه الطموحات الأوروبية. وبعضهم من أمثال الأوليغارشي المرشح إلى الرئاسة بيترو بوروشنكو، التحق بأوكرانيا الجديدة. وثمة أوجه مشتركة تربط الأوليغارشيين ورجال العصابات بقادة الحزب اليميني المتطرف، فعلى سبيل المثل، كان رئيس اليمين القومي الذي سقط في معركة مع القوى الأمنية في آذار الماضي مطلوباً من العدالة لانتمائه إلى عصابة إجرامية منظمة.
ان أبرز مبادئ الحرب الروسية غير المتكافئة هو التعاون مع عدد كبير من الأطراف، من الحلفاء الموثوقين إلى الحمقى «المفيدين». وتوجه رئيس الوزراء الأوكراني أخيراً إلى الروس قائلاً: «لا تتصرفوا مثل العصابات». لكن مصدر الخطر المتعاظم على أوكرانيا هو اتفاق مصالح العصابات مع مصالح الكرملين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق