بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 10 مايو 2014

بيانَان سوريّان أسوَدان -محمد علي فرحات

الاثنين 5/5/2014: استقطاب

صَمْتُ السوريين عن خراب بلدهم يدفع العرب والعالم إلى صمت مشابه. ولا تكسر الصمت بيانات المعارضة والنظام والمؤسسات الإنسانية العالمية، فالمعارضة تهدف إلى بقائها واستنهاض مؤيديها الداخليين والخارجيين، لذلك تصمت عما يعيق هدفها. والنظام
بدوره يعلي الصوت عما يعتقده معززاً لوجوده ويصمت عن جرائم يرتكبها أو تُرتكب باسمه.
المؤكد أن صفحة النظام السوري تُطوى ولن يكتمل انطواؤها إلا بهيكل نظام جديد. هذا لم يحدث ولا بوادر حتى الآن لحدوثه، لا داخل سورية ولا خارجها.
قال صديقي إنه يرتبك حين يعلّق على حدث سوري خوف أن يندرج كلامه في مصلحة النظام، أو على الأقل معرقلاً لصورة المعارضة على رغم غموض هذه الصورة. اقترحَ صديقي أن تُصدر قيادات المعارضة السورية يومياً بيانين أسودين يتضمّن كل منهما إدانة تفصيلية لجرائم النظام وجرائم مقاتلين يتوسلون المعارضة من أجل أهداف لا تعني سورية والسوريين، أو هي على الأقل خارج أولوياتهم.

بيانان أسودان صباح كل يوم تتوجه بهما المعارضة الى الشعب السوري وشعوب العالم، ليس فقط لتوضيح فكرها الديموقراطي وتكريسه بالتكرار، وإنما أيضاً للقول إنها معارضة شرعية مخلصة للشعب السوري كله وإنها لا ترى الشرّ في جهة واحدة ولا تعتمد خفّة تقسيم العالم الى أبيض وأسود، فالشرّ الطالع من بيتك أكثر فتكاً من ذلك الطالع من جبهة الخصوم، لئلا نقول الأعداء.
> الثلثاء: 6/5/2014: المجهولة
المجهولة سورية، حتى أهلها لا يعرفونها، ثم يعرفونها على ملأ من الدنيا كلها، تماماً عندما تتهدّم.

الوردة مجهولة حتى تذوي، والبيت حتى يُهدم، والآثار حتى تُمحى معالمها ويصير الماضي نسياً منسياً.

سورية اليوم المتر المربع الكافي لحركة القدمين، حتى إذا تحرك المواطن يتحرك معه مكانه ولا يطأ مساحة أخرى. وسورية البكاء في غرفة معزولة في منفى بعيد. الحزن العلني ممنوع لأن السوري مستقطب في صراخ المعارضة أو صياح النظام، ولا محل للوسط العدل بين إفراط وتفريط.

من يثق بعد اليوم بثورة لا تدين خاطفيها؟ من يثق بنظام يتصيّد أخطاء الآخرين ليستر عورته؟ من يسكن بعد اليوم في ممرات الأمم ويشكّل أمة على تراب مخطط بجنازير الدبابات؟

كتبَ سليم بركات ذات مرة: «كان تاريخاً هنا، واقفاً كالكلب قدّام السراي.

كان تاريخاً، وقد زينتُهُ - أو توهمت - بشعب، فإذا البحر سلاحي ويداي.

وإذا المنفى الذي يشهرني، يشهرني مزقاً في رمحه العالي».



> الأربعاء 7/5/2014: الطبيعة

تختفي الطبيعة في سورية في أيامنا، كأن الضدين لا يجتمعان، الطبيعة والحرب الأهلية.

وتبدو أرض سورية سطحاً إسمنتياً وجبالها نتوءات من معدن وشجرها تكويناً بلاستيكياً يمكن نقله إلى مكان آخر.

لو كانت طبيعة سورية موجودة حقاً لكان إنسان في هذه الطبيعة وفصول أربعة له ولها، وبالتالي حياة بأفراحها وأحزانها، وليس ابداً هذا القتل اليومي البارد، القتل الإسمنتي المعدني وكلامه المعلّب المستعلي بجموده الجبار.

كيف تختفي بلاد منكوبة بحربها الأهلية، تتحول إلى ديكور في استوديو؟ إنها الحرب، ولكنها ايضاً فيلم سينمائي وناقد غير موهوب وممثلون يموتون أمام الكاميرا وفي الواقع ايضاً.

الحروب الأهلية تحجب فطرة الإنسان من حيث تظن أنها تقدمها فطرة للقتل.

الفطرة سلام في الطبيعة لا حرب فيها أو عليها. ولا أصدق التاريخ الحيواني للبشر القائم على بقاء الجسد كمسألة وحيدة.



> الخميس 8/5/2014: استعراض شعراء

واقف ينتظر نهاية الحرب وقد طال وقوفه، من طفولة الخيبات الصغيرة إلى شباب الطموح المتكسر، إلى كهولة الخوف وهاجس الرزق، إلى شيخوخة بلا حكمة، شيخوخة طبول ممزقة لا تنبّه أحداً، لا تزعج احداً.

واقف على ضفاف سورية البحرية والبرية، هذا اللبناني الذي أحب دمشق من خلال سعيد عقل:

«سائليني حين عطّرت السلام

كيف غار الورد واعتلّ الخزام

وأنا لو رحتُ أسترضي الشذا

لانثنى لبنان عطراً يا شآم

ضفتاك ارتاحتا في خاطري

واحتمى طيرك في الظنّ وحام

نقلة في الزهر أم عندلةٌ

أنت في الصّحو وتصفيق يمام».

وحين بحث اللبناني عن حب دمشق في قصائد شعرائها واجهته أنفاس حائرة ورثاء ضمني لأقدم مدينة متواصلة السكن في العالم.

نقطة البدء حيرة المعري القائل:

«الأمر أيسرُ مما أنتَ مُضمرهُ

فاطرَحْ أذاكَ، ويسّر كل ما صعُبا

ولا يسُرّك إن بُلّغتَهُ، أملٌ

ولا يهمّك غربيبٌ، إذا نعبا

إنْ جدّ عالمُك الأرضيُّ، في نبأ

يغشاهُمُ، فتصوّرْ جِدَّهُم لعبا

لن تستقيم أمورُ الناس في عُصُر

ولا استقامتْ، فذا أمناً، وذا رعبا

ولا يقومُ على حقٍّ بنو زمنٍ

من عهد آدم كانوا في الهوى شُعَبا».

والعبور مع نزار قباني:

«انا الدمشقيُّ لو شرّحتُم جسدي

لسالَ منهُ عناقيدٌ وتفّاحُ

ولو فتحتُم شراييني بمديتكم

سمعتُم في دمي أصواتَ من راحوا

مآذنُ الشّام تبكي إذ تعانقني

وللمآذن كالأشجار أرواحُ

خمسون عاماً وأجزائي مبعثرة

فوق المحيط وما في الأفق مصباحُ

تقاذفتني بحارٌ لا ضفافَ لها

وطاردتني شياطينٌ وأشباحُ

أقاتلُ القبحَ في شعري وفي أدبي

حتى يفتّحَ نوّارٌ وقدّاحُ

ما للعروبة تبدو مثل أرملة

أليسَ في كتبِ التاريخ أفراحُ؟

والشعرُ ماذا سيبقى من أصالته

إذا تولاّهُ نصّابٌ ومدّاحُ؟

وكيفَ نكتبُ والأقفالُ في فمنا

وكلُّ ثانيةٍ يأتيك سفّاحُ».



> الجمعة 9/5/2014: أهل الممرّ

سورية، مثل لبنان، صارت ممرّ جيوش الامبراطوريات ويموت أهلها تحت سنابك الخيل أو جنازير الدبابات أو بقصف الطائرات والصواريخ.

يظن أهل الممر أنهم ينتصرون أو ينهزمون، وفي الحالَيْن يسقط منهم قتلى يسمّونهم شهداء ليتعزوا وتطمئن قلوبهم.

يظن سكان الممر، يظنون.

ولا يقرأون ابداً كلاسيكيات أنجزها ابناء وطنهم-الممر، من المعرّي إلى قباني.

كلاسيكيات سورية تتبخّر في فضاء العالم بلا صاحب ولا وارث، وليس لها أي قارئ، من معرّة النعمان إلى دمشق القديمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق