بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 14 مايو 2014

القضايا العربية في معركة الرئاسة المصرية - رغيد الصلح

تطرق المشير عبدالفتاح السيسي في حديثه إلى فضائية «سكاي نيوز» يوم الأحد الفائت في الحادي عشر من هذا الشهر، إلى علاقة مصر بالعالم العربي في ثلاثة مواضع رئيسية: التعاون الأمني، التعاون الاقتصادي والإطار المؤسسي للتعاون بين مصر وبقية الدول العربية. وفي المجالات الثلاثة، حرص المشير السيسي على تأكيد دور مصر العربي. قد يرى البعض، خصوصاً ممن يخالفون السيسي آراءه، أن تصريحاته التلفزيونية هي مجرد كلمات عابرة وأنه من الخطأ تحميلها ما يتجاوز قيمتها الرمزية والموقتة. خلافاً لهذا الانطباع، فقد أولى آخرون المواقف التي عبر عنها المشير المصري اهتماماً ملحوظاً. إن الأوضاع المصرية والعربية والدولية التي تمت المقابلة خلالها تدل على أن الفريق الثاني هو الأقرب إلى الصواب، وأن ما جاء على لسان المشير ينطوي على الدلالات الآتية الملفتة للنظر:
1- دور مصر الإقليمي. قد جاء تأكيد السيسي أن مصر راغبة ومستعدة للاضطلاع بدورها التاريخي في الدفاع عن الأمن الإقليمي العربي، وعن الدول العربية التي تتعرض للتهديد، أو العدوان في وقته. فهناك شعور في المنطقة بأن «شرطي العالم»، أي الولايات المتحدة، لم يعد متحمساً أو مستعداً للقيام بهذه المهمة، كما كان الأمر في السابق. ويرتبط هذا الشعور بإخفاق واشنطن في إلزام إسرائيل بإيقاف مشاريع الاستيطان، وكذلك في إيجاد حل للمأساة السورية، وفي توفير الحماية لأوكرانيا بعد أن استولى مناصرو الولايات المتحدة على الحكومة فيها. كذلك يرتبط هذا الشعور بالمفاوضات الأميركية - الإيرانية التي تخشى دول عربية أن تسفر عن تقديم واشنطن تنازلات إلى طهران على حساب هذه الدول. إذاً، هناك طلب في المنطقة على مشاريع بديلة للدفاع عن المنطقة ولحمايتها من المشاريع التوسعية ونزعات الهيمنة، وهناك في المقابل عرض من السيسي بمشروع من هذا النوع.
تتزامن الحاجة إلى عرض من هذا النوع مع سياسة «إعادة التوازن» التي تتبعها الولايات المتحدة، والتي تقضي بنقل مركز اهتمامها الأول، على الصعيد العالمي، من منطقة الشرق الأوسط إلى المحيط الهادئ. لقد كان الانطباع السائد في المنطقة العربية أنها ستحتل دوماً مركز الاهتمام الأول لدى واشنطن. فهذه المنطقة تمتلك أكبر احتياطي للنفط في العالم. في الخليج وحده يوجد 60 في المئة من احتياطي النفط العالمي. وتصدر المنطقة إلى دول الأطلسي قرابة 37 في المئة من مستورداتها من النفط، وتملك المنطقة العربية مواقع استراتيجية حساسة، وتطل على بعضها وتشمل جبل طارق وقناة السويس وباب المندب ومضيق هرمز، كان الانطباع بأن شرطي العالم سيتولى حماية الوضع الراهن فيها بصورة مستدامة، ولكن المواقف الأميركية جعلت كل ذلك يصبح موضع مراجعة ومصدر قلق متفاقم في الدول الصديقة والحليفة لواشنطن في المنطقة العربية وخارجها.
إن البعض قد يدقق، استناداً إلى موازين القوى الإقليمية، في التزام المشير السيسي حماية الأمن الإقليمي العربي. تقول لغة الموازين العسكرية إن التحدي الأكبر الذي يواجه القوى العربية يتمثل في إسرائيل. بالمقارنة بين مصر وإسرائيل نجد أن مصر تتفوق على إسرائيل في سلاح المشاة (450 ألفاً مقابل 176 ألف)، وفي تعداد القطعات البحرية (176 مقابل 72). ولكن إسرائيل تتفوق على مصر من حيث تعداد الاحتياطي (445 ألفاً مقابل 245 ألف) وفي عدد الطائرات (875 مقابل 518) والغواصات البحرية (5 مقابل 3). إن هذه الأرقام لا تختزل، بالطبع، موازين القوى المصرية - الإسرائيلية، ولا تدل على الفارق بين نوعية السلاح الذي تحصل عليه كل من مصر وإسرائيل. فدول الأطلسي، بخاصة الإدارة الأميركية، تحرص على تزويد إسرائيل بأحدث أنواع الأسلحة وأكثرها فتكاً، وعلى فرض سقف تسليحي على مصر بحيث يحد من قدراتها العسكرية. هكذا، فإن إسرائيل تمتلك السلاح النووي، بينما مصر لا تمتلكه. إضافة إلى ذلك كله، فإن إسرائيل تستطيع الاعتماد في اللحظات الحاسمة، على تدخل أميركي عسكري مباشر لإنقاذ إسرائيل من الهزيمة العسكرية، كما أوضح الرئيس المصري أنور السادات في كتابه «البحث عن الذات». كيف يمكن مصر، إذاً، أن تفي بالالتزامات التي أعلنها المشير السيسي إذا أقدمت إسرائيل، مثلاً، على الاعتداء على دولة عربية؟ السيسي يلمح إلى الجواب في الدلالتين الآتيتين.
2- البحث عن كتلة عربية قوية. إن هذه المعطيات تؤثر بالطبع تأثيراً كبيراً في دور مصر على صعيد الأمن الإقليمي، وتؤثر في قدرتها على الوفاء بمتطلبات هذا الدور، خصوصاً إذا كانت مصر تعاني من مشاكل اقتصادية حادة كما هو الأمر اليوم. في المقابل، فإن تحسن الأوضاع المصرية بسرعة يساعد مصر على توسيع خياراتها العسكرية والسياسية والاقتصادية. إنه يحول إنذاراتها إلى إسرائيل وغير إسرائيل إلى ضغوط حقيقية تؤخذ في الاعتبار حتى في عالم القوة العسكرية المجردة، ومن جانب الاستراتيجيين الذين يتخذون قرارات الحرب والسلم في ضوء معطيات تتجاوز الحسابات العسكرية البحتة.
المهم هنا أن السيسي لم يتحدث عن مساعدات أو هبات مالية تعطى لمصر في إطار العلاقات الثنائية المغلقة، وإنما تحدث عن هذا الموضوع في إطار جماعي مؤسسي عربي. دعا إلى قيام «كتلة عربية قوية» اقتصادياً، ومن ثم عسكرياً وسياسياً. والفائدة من هذه الكتلة لا تعود على مصر وحدها، بل تعود على كل دولة عضو. في إطار مثل هذه الكتلة تمكنت دول آسيا من التغلب بسرعة على الأزمة المالية التي أصابتها خلال التسعينات. وفي إطار هذه الكتلة تتمكن أوروبا اليوم من التغلب على أزمة اليورو، ويستعيد المشروع الأوروبي ألقه وشعبيته بين الأوروبيين بعد أن انحسر التأييد له. وفي إطار كتلة من هذا النوع تستطيع الدول العربية النهوض باقتصادها، والدفاع عن حقوقها. فلنذكر حرب أكتوبر التي جسدت إرادة جماعية عربية.
ويختلف الحديث حول «الكتلة العربية القوية» عن النهج الذي سلكه الرئيس السابق حسني مبارك، بخاصة في السنوات الأخيرة من حكمه. فبدلاً من تنمية التعاون الإقليمي العربي، من أجل تعزيز المكانة التفاوضية والجمعية للدول العربية في المجالات الدولية، اتجه إلى التعاون مع إسرائيل وتكوين حلف ثنائي معها. ولم تكن لمصر مصلحة في مثل هذه العلاقة الثنائية، بل ساهمت في تقهقر مكانتها العربية والدولية، وفي صعود أطراف إقليمية على حساب مصر وعلى حساب دورها التاريخي في الدفاع عن القضايا العربية، وقيادة تيار التضامن العربي.
3- دور الناخب المصري. تحدث المشير السيسي في المقابلة كمرشح للرئاسة المصرية يسعى إلى كسب تأييد الناخبين. وتضمن كلامه إلى الناخب المصري وعداً بأنه إذا فاز بالرئاسة سيعزز مكانة مصر العربية ويعيد للعرب احترامهم وحقوقهم، خصوصاً في فلسطين. لم يكن المشير السيسي في حاجة إلى الإفصاح عن هذا الرأي وإلى تقديم مثل هذه الوعود لولا أنه مقتنع بأن الناخب المصري يتجاوب معها ويرغب في عودة بلده إلى موقع الصدارة في السياسة العربية، ولولا أنه يتعاطف مع قضية فلسطين ومع القضايا العربية الأخرى.
علينا أن نذكر هنا أيضاً أن منافس المشير السيسي، حمدين صباحي، يمتلك سجلاً راسخاً في الميدان نفسه، وتاريخاً معروفا في العمل من أجل استرجاع الدور المصري على الصعيد العربي. ورسالته إلى الناخب المصري تتقاطع إلى حد بعيد مع الرسالة التي وجهها السيسي عبر مقابلة «سكاي نيوز».
إن اتفاق المرشحين البارزين للرئاسة المصرية على دور مصر العربي وعلى نمط العلاقات العربية - العربية المطلوب، مؤشر مهم إلى نظرة الناخب المصري إلى السياسة العربية والخارجية التي يتمناها لبلاده. قيل عن هذا الناخب إنه لا يأبه بالقضايا العربية وإنه لا تحركه إلا القضايا المحلية المجردة من أي بعد إقليمي أو دولي. حديث المشير السيسي يقدم دليلاً على خطأ هذه النطرة، وربما على التفكير الرغائبي الذي تملك أصحابها.
 * كاتب لبناني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق