بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 5 مايو 2014

برشلونة والعنصرية - إيلي هيدموس

أما وانحسرت العاصفة التي أثارها برشلونة الإسباني، إثر حادث عنصري في حق ظهيره الأيمن البرازيلي داني ألفيش، يمكن قول كلام هادئ في مسألة متفجرة تشكّل إهانة لإنسانية الإنسان ولكل قيم الحياة.
ولتجنّب كل تأويل مُغرض، يجدر التذكير بأن العنصرية آفة مقيتة لا يمكن إطلاقاً قبولها
أو محاولة إيجاد مسوّغات لها. كما أن التمييز، أياً تكن أشكاله، هو مجرد تخلّف لم تتحرّر منه البشرية، على رغم آلام ودموع ومآثر إنسانية لم تستطع إنقاذنا من براثنه.بعد ما حدث مع ألفيش، طرح برشلونة نفسه مدافعاً عن القيم الإنسانية ومناهضاً عنيداً للعنصرية، في حملة تحوّلت عالمية (وإن ظهر لاحقاً أنها كانت مُدبّرة سلفاً وتنتظر حادثاً مشابهاً يتعرّض له مهاجم النادي الكاتالوني البرازيلي نيمار)، وشملت رياضيين وشخصيات سياسية مثل الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.
لكن برشلونة لا يمكنه الادعاء بأنه يرفع لواء مكافحة العنصرية، حين يكون أحد لاعبيه ضحية لها، وأن يدفن رأسه في الرمل، مثل نعامة، أو ما هو أكثر سوءاً، أن يحاول إيجاد تبريرات واهية، حين يكون أحد لاعبيه، أو جمهوره، هو الجلاد.
في مباراة الذهاب في نصف نهائي دوري الأبطال الأوروبي عام 2011 بين ريال مدريد وبرشلونة، ضبطت الكاميرا ساعد الدفاع الكاتالوني سيرخيو بوسكيتس وهو يقول شيئاً للظهير الأيسر لنادي العاصمة البرازيلي مارسيلو، محاولاً إخفاء فمه. تبيّن لاحقاً، من خلال تقنية قراءة الشفاه، أن بوسكيتس نعت مارسيلو بأنه "قرد". لكن برشلونة نفى الأمر في شكل قاطع، بل أن ناطقاً باسم النادي ذكر أن بوسكيتس أبلغ برشلونة أنه قال لمارسيلو "أنف طويل"، لا "قرد".
الناطق الذي ربما كان يتحسّس مدى طول أنفه لدى إتحافنا بهذا التفسير الماورائي، اعتقد بأننا أغبياء وسنصدّق تفسيره الساذج. كما يتساءل المرء لماذا أخفى بوسكيتس فمه خلال مخاطبته مارسيلو، لو لم يكن يقول له أمراً مهيناً؟ ولماذا لم ينبرِ ألفيش للدفاع عن مارسيلو، زميله في المنتخب البرازيلي، بعدما رآه بوسكيتس على شاكلة "قرد"؟ بل أن ألفيش ارتكب ما يُمكن اعتباره "عنصرية مضادة"، إذ اتهم الإسبان بأنهم "متخلّفون"، وكأن 47 مليون إسباني أمطروه بالموز في الملعب!
وإذا كان برشلونة فوّت فرصة ليثبت أنه يكافح العنصرية في شكل حقيقي، فإنه فوّت فرصة ثانية حين تغاضى أيضاً عن نعت ساعد دفاعه فرانشيسك فابريغاس المهاجم السابق لإشبيلية الإسباني، المالي فرديريك كانوتيه، بأنه "زنجي مقرف".
ناهيك عن هتافات عنصرية تعرّض لها مارسيلو والمهاجم السابق لريال مدريد، التوغولي إيمانويل أديبايور، في ملعب "كامب نو" الخاص ببرشلونة، أو حتى الحارس السابق لنادي إسبانيول برشلونة، الكاميروني كارلوس كاميني الذي تساجل مع المشجعين العنصريين للنادي الكاتالوني الذي لم يحرك ساكناً آنذاك لإدانة ما حدث.
وتعرّض الظهير الأيسر السابق لريال مدريد، البرازيلي روبرتو كارلوس، لهتافات عنصرية متكررة في "كامب نو"، جعلته يُبلِغ مساعد الحكم، في مباراة بين الناديَّين عام 2006، نيته ترك الملعب، كما فعل المهاجم السابق لبرشلونة الكاميروني سامويل إيتو لدى إهانته عنصرياً في ملعب "لا روماريدا" الخاص بنادي ريال سرقسطة.
وكانت صحيفة "إلموندو ديبورتيفو" الرياضية الصادرة في كاتالونيا، اعتبرت أن ردّ فعل ألفيش الذي أكل جزءاً من الموزة التي رُمي بها، يُشكّل "أفضل ردّ على العنصرية". لكن الصحيفة ذاتها كانت نشرت رسماً عنصرياً يُظهر المدافع البرتغالي لريال مدريد بيبي على شكل قرد...
وبعد مباراة الذهاب بين النادي الأبيض وأتلتيكو مدريد في نصف نهائي كأس الملك في شباط (فبراير) الماضي، والتي شهدت احتكاكات بين بيبي والظهير الأيمن لريال مدريد ألفارو أربيلوا، والمهاجم البرازيلي لأتلتيكو دييغو كوستا، كتب خوسيه لويس لوبيز في "إلموندو ديبورتيفو" أن واضع نظرية التطوّر، العالم البريطاني تشارلز داروين، وجد في تلك المباراة "أجناساً من طبقات مختلفة، بعضها أكثر تطوراً من الأخرى". واعتبر أن روبرت وايت، مخرج فيلم "كوكب القرود"، يمكنه صنع فيلم مشابه، أبطاله أربيلوا وبيبي وكوستا...
إن برشلونة الذي يعتبر نفسه "أكثر من نادٍ"، يُقدّم يومياً دليلاً تلو آخر على ريائه، إذ أن مكافحة العنصرية تتم من خلال أفعال، لا عبر كلام معسول ومحاولة قلب الوقائع. إدانة العنصرية لا يمكن أن تكون انتقائية، وعلى مَن يهتم حقاً بمحاربة هذا المرض، وبالامتناع عن الاكتفاء بإلقاء دروس ديماغوجية، البدء بنفسه وألا يكتفي بتحويل المسألة حملة ترويج دعائي رخيص، تضع النادي الكاتالوني في موقع الضحية، بعدما تخاذل عن التصدّي لهذه القضية، حين كان لاعبوه في موقع الجلاد.
وإذا لم تكفِ برشلونة الدعاية المجانية والكاذبة التي نالها من مسألة ألفيش، يمكنه، كونه مدافعاً عن "القيم" و"المبادئ" الإنسانية، شنّ حملة ضد الفاشية مثلاً، انطلاقاً من فضيحة ترهيب مشجع لريال مدريد وإخراجه من ملعب نادٍ منافس، وسط تصفيق الجمهور وهتافه. و"ذنب" المشجع أنه كان يرتدي قميص نادي العاصمة. حَدَثَ ذلك السبت في ملعب "كامب نو" خلال مباراة برشلونة وخيتافي في الدوري الإسباني..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق