بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 13 سبتمبر 2013

كيف يفكر السيستاني ديناً وسياسةً؟ علي المعموري


هذا السؤال يمثل إشكالية للكثيرين من المهتمين بالأحداث والمواقف في الشرق الاوسط والعراق في شكل خاص. ففيما يطالب متشددون شيعة المرجعية باتخاذ مواقف أكثر تشدداً في نطاق الصراع الذي يتخذ باستمرار أشكالاً طائفية، يتهمها متشددون سنّة بالتواطؤ مع الأطراف الداخلة في الصراع، وهي اتهامات تكاد تتناول كل شيعة المنطقة وسنّتها، ضمن رؤية تفتقر الى محاولة تصنيف المواقف وقراءتها بمستويات مختلفة.
ما تمثله مرجعية النجف بقيادة السيد السيستاني يعتبر بلوغاً ورشداً اجتماعياً في المؤسسات الدينية، ما يستوجب صوغ نموذج منه للدور الايجابي الذي يمكن أن تقوم به المؤسسات الدينية وكيف تتجنب الدور السلبي الذي شاع الآن في اغلب الحالات. وهو قد يتسبب أحياناً بعدم فهم هذا الدور وتبني تصور بأن النجف في غيبوبة عن الشأن العام وليس لها أي موقف ودور في الحياة العامة للمسلمين وللشيعة في شكل خاص، وهذا ما يمكن مناقشته دينياً واجتماعياً وسياسياً.
تنطلق رؤية النجف من اعتبار الدين كياناً عاماً للحياة البشرية ولا يصح اختزاله في الشؤون السياسية المتغيرة والشائكة بأنواع الصراعات الداخلية والخارجية. فيمثل الدين من وجهة نظر السيستاني إطاراً انسانياً وأخلاقياً عاماً، له الامكانية والقابلية لأن يتفاعل مع الجنس البشري من منطلقات أوسع من الأطر المذهبية الضيقة. فالمرجعية في رؤية السيستاني هي مؤسسة اجتماعية تقوم بدور عام إنساني في المجتمع، وإضافة الى دورها في الإجابة عن الأسئلة الشرعية لمقلديها، تقوم بمشاريع ثقافية وخدمية انسانية عامة من دون استخدامها إعلامياً لأغراض دعائية او سياسية وغيرها.
وفي الشأن السياسي ليس عليها أكثر من القيام بدور ارشادي لجميع الجهات السياسية المنـــتخبة ديموقراطياً على حد سواء، من دون تــــفريق على أساس مذهبي او حزبي.
وعليه، لن نجد أي تصريح او موقف طائفي ومذهبي صادر عنه في كل سنوات مرجعيته العامة للشيعة، بل على العكس حاول دائماً أن يتفاعل مع محنة الأقليات الدينية والمذاهب الاسلامية المختلفة؛ وكثيراً ما أخذ جانب الصمت في محن الشيعة تجنباً للوقوع في الفتنة وإشعالها أكثر من المساهمة في حلّها. ويتخذ هذا الموقف مبادئه العامة من الحكمة الشهيرة: «كن في الفتنة كابن اللبون لا ظهر فيُركب ولا ضرع فيُحلب». فالصمت والصبر بالنسبة الى المراجع الدينية أفضل من التصريح في كثير من الأحيان، وها نحن نشاهد اليوم آثار التصريحات الانفعالية لبعض تلك المرجعيات في سورية وغيرها من مجتمعات الشرق الأوسط.
لقد احتفظ السيستاني
بدوره الإرشادي غير المنحاز لمصلحة فئة ضد أخرى؛ والذي تشهد عليه لقاءاته في سنوات ما بعد 2003 مع جهات سياسية متنوعة، وقد صرح رئيس الوزراء العراقي السابق أياد علاوي بعد لقاء جمع بينه والسيستاني بأنه تأكد من أن المرجعية تقف على مسافة واحدة من الجميع.
فالنجف ليست غائبة عن الشأن السياسي والاجتماعي، بل هي تراعي المصالح العامة، وليست مستعدة للدخول في صراعات ومتاهات لا يمكن الخروج منها الا بالتلوث بدماء الأبرياء والتورط بعنف غير مبرر. ويعتبر هذا الدور بديلاً من أنموذج ولاية الفقية الذي عبر السيستاني عن رأيه به، معتبراً أنه لا يعتقد بها ولا يرى شرعية لقيام رجال الدين بالقيادة السياسية للمجتمع والتخلي عن دورهم الانساني العام. فمن يطالب السيستاني باتخاذ موقف سياسي يقود به المجتمع العراقي فإنما يخالف التبنّيات الفقهية والانسانية له؛ مضافاً الى أننا لم نشهد حتى الآن نموذجاً ناجحاً للدخول المباشر لعلماء الدين في السياسة. وهذا فضلاً عن ان تلك المطالبة تنم عن روح العجز عند بعض فئات المجتمع، حيث تتجه دائماً نحو البحث عن قائد تتبعه في كل صغيرة وكبيرة بدل أن تقوم بدورها الفعال في اصلاح الوضع العام والمطالبة بحقوقها الضائعة والاكتفاء بأخذ الارشادات اللازمة من مرجعياتها الدينية.


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق