بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 2 سبتمبر 2013

من قال إن الغرب لا يكذب ؟ -عدي حسن مزعل



يبدو أن الأزمة السورية بلغت مرحلة أصبح فيها التدخل الغربي وشيكاً، رغم أن هذا التدخل لم ينقطع بالمرة، فمنذ اندلاع الأزمة قبل أكثر من سنتين والغرب يُلقي بكل ثقله مقدماً شتى أشكال الدعم السياسي والعسكري للمعارضة المسلحة. 
يقول الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الاميركية أنه بصدد شن عمل عسكري القصد منه معاقبة النظام السوري وليس إسقاطه، وذلك بفعل استخدامه للسلاح الكيميائي حسب الرواية الغربية المروجة بقوة في إعلامه وعلى ألسنة سياسيه. فما أن ظهر خبر تعرض مدينة في ريف دمشق إلى هجوم بهذا السلاح حتى وُجهت التهم مباشرة إلى النظام السوري، بل أن مواقف  بعض الدول إزاء هذا العمل الذي لم تحدد هوية فاعليه بعد جاءت سريعة، وبلغ الأمر بهذه الدول إلى القول: إن التحقيق لم يعد مجدياً وان إجراءه قد فات أوانه.
وما جرى يفرض على متابعه طرح العديد من الأسئلة: لماذا يستخدم الجيش النظامي السلاح الكيميائي وهو في وضع عسكري متقدم ؟ لماذا معظم القتلى والمصابين من المدنيين، لاسيما الأطفال، وليسوا من المسلحين ؟ هل من الحكمة قيام النظام بهكذا عمل وبعثة المفتشين التابعة للأمم المتحدة لم يمض على وصولها لدمشق سوى يومين للتحقيق في استخدام السلاح الكيميائي في حلب ؟
كل الوقائع تشير إلى أن ما حدث كان مخططاً له، وانه نُفذ من جهات معارضة أرادت إشغال المفتشين بهذا الحدث بدلاً من التوجه إلى حلب للتحقيق في مجزرة خان العسل، وتحشيد الرأي العام العالمي ضد النظام السوري، وهو ما تحقق فعلاً، لا على صعيد الإدانة والاتهام فقط، وإنما على صعيد آخر لطالما دعت إليه المعارضة المسلحة: توجيه ضربة عسكرية تضعف النظام السوري وتشل قدراته العسكرية قدر الإمكان بغية تغليب كفة المعارضة. 
ولأول مرة يفاجئنا الغرب بأنه سيعاقب نظاما لأنه استخدم السلاح الكيميائي، مع أن هذا الغرب لا غيره هو من قدم هذا السلاح في الماضي إلى نظام صدام حسين، الذي استخدمه في حروبه وضد شعبه، ولم تكن هناك أية إدانة ولا عقوبات ولا حتى التلويح بعمل عسكري، إلى أن جاءت اللحظة المناسبة وضمن سيناريو كبير أُعد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث ُصنف العراق إلى جانب دول أخرى ضمن دول محور الشر، آنذاك اتخذ الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الاميركية قراره بالتدخل العسكري في العراق لامتلاكه أسلحة الدمار الشامل التي تهدد الأمن القومي الأميركي أولاً والعالم ثانياً. والعالم هنا أميركا وحلفاؤها لا غير. وبالتالي فان قرار التدخل العسكري في العراق لم يكن لأن النظام الدكتاتوري السابق قد استخدم هذا السلاح في حروبه أو ضد شعبه، وإنما لأنه يهدد المصالح الاميركية. في حين أن حقيقة النظام أنه كان عبارة عن تهديد لشعبه أكثر مما هو تهديد لما يفترض أنهم أعداؤه.  
واليوم نحن أمام ذات السيناريو القديم، ولكنه هذه المرة مشحون بيافطة أخلاقية كبيرة اسمها: حماية المدنيين من نظام يقتل شعبه. فهل هذه هي الغاية حقاً من التدخل الغربي أم أن الأمر يتعدى ذلك ؟ 
في البداية كانت تصريحات كبار المسؤولين في أميركا تدور حول هذا الشعار، لكنها ما لبثت أن تحولت إلى مستوى آخر، أصبح فيه الحديث موجهاً إلى الشعب الأميركي، كالقول: أن ما قام به النظام السوري يعرض الأمن القومي الأميركي للخطر وكذلك امن حلفائنا إسرائيل وتركيا والأردن، وان عدم الرد سيؤثر على مصداقية الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. ثم تطورت التصريحات أكثر، فأصبح الحديث يدور حول امتلاك النظام السوري لأكبر برنامج للسلاح الكيميائي في منطقة الشرق الأوسط، وعليه، فان الهدف من الضربة العسكرية هو منع تكرار استخدام هذا السلاح الخطير.   
اعتقد هدف العمل العسكري لا علاقة له بالمرة بالمعلن والمقال، وإنما القصد منه تغليب كفة المعارضة المسلحة التي بدأت تتكبد الخسائر على الأرض، فهي اقرب إلى الهزيمة منها إلى النصر، لاسيما بعد الانتصار الذي حققه النظام في معركة القصير. ألم يقل وزير خارجية أميركا بعد انتصار النظام في هذه المعركة: على النظام أن لا يفرح ؟ وما من علاج لهذه الخسارة سوى التدخل الغربي، وهذه ما يمنح المعارضة موقفاً قوياً على الأرض، كما يجعلها أكثر قوة في مفاوضات (جنيف 2)، إذ تدرك هذه المعارضة والدول الداعمة لها، أن ضعف موقفها على الأرض يعني ضعفها في أية مفاوضات، وما لم تستطع تحقيقه المعارضة ستحققه تلك الدول. وهكذا يكون الغرب قد توج مساعداته بالتدخل العسكري المباشر بحجة استخدام السلاح الكيميائي، ولصالح جماعات صنفها هو نفسه بوصفها جماعات إرهابية ! فهل في هذه الأهداف ما يشير إلى حماية المدنيين ؟ 
ما من شك أن التدخل العسكري لا علاقة له بحياة المدنيين، فالمجازر الوحشية التي حدثت في سوريا من قبل الجماعات المسلحة كمظاهر الإعدام العلني لعشرات المدنيين والعسكريين وذبح الأطفال والنساء لا تقل ترويعاً عن الموت بالسلاح الكيميائي!! وكأن منطق بعض الدول الكبرى يقوم على مبدأ مفاده: أن لا مشكلة ولا حساب مع المجازر إن ارتكبت بالسلاح التقليدي..... ولكن هناك مشكلة وحساب عسير لمن يستخدم السلاح الكيميائي!! وكأن الموت هنا يختلف عن الموت هناك، مع انه واحد أكان بهذا السلاح أم بذاك. لكن حتى هنا يوجد استثناء، فلو استخدم هذا السلاح من دولة حليفة للدول الداعمة للمعارضة المسلحة اليوم لما كان هناك ثمة مشكلة، فالحدث سُيمرر ويتم التعتيم عليه وكأن شيئا لم يكن، وفي أسوأ الحالات، في حال تفاقم الخبر وخرج عن السيطرة، فأنه أما تتم شرعنته والموافقة عليه بإيراد كافة الحجج كالدفاع عن النفس، أو الاكتفاء بالإدانة الخجولة.  
 ويبقى أن الأزمة السورية مفتوحة على كل الاحتمالات ويصعب التنبؤ بمسارها. ذلك أن الولايات المتحدة وبعض حلفائها رغم انهم  يؤكدون أن الضربة ستقتصر على أهداف عسكرية،  إلا أن الأمر قد يتطور نحو التدخل العسكري على الأرض لاسيما من جهة الأردن التي حشدت قواتها الخاصة على حدودها مع سوريا مدعومة بوحدات من الجيش الاميركي. 
وكذلك الحال مع تركيا اشد الداعمين لأي عمل عسكري دولي لإسقاط النظام. ومن غير المستبعد أن حماسة  النظام التركي قد تدفعه إلى الدخول من جهة الشمال السوري بحجة حماية المدنيين وإقامة ممرات إنسانية.
وإذا ما حدث ذلك فمن غير المستبعد أن تشهد المنطقة حرباً إقليمية تُفتح فيها جبهات متعددة، خاصة إذا ما قام النظام السوري باستهداف أية دولة مجاورة تنطلق منها جيوش معادية، أو قام باستهداف إسرائيل، رغم صعوبة التكهن بهذا العمل، لعلم النظام السوري أن ضرب إسرائيل يعني فتح جبهة اشد فتكاً وخطورة وأكثر حماساً لتصفية آخر أعدائها الدوليين، فما من دولة مجاورة اليوم لإسرائيل وغير مجاورة من الدول العربية تتبنى توجهات معادية  لإسرائيل كالنظام السوري. 
وتلك هي أيضاً إحدى فوائد  العمل العسكري ضد النظام السوري، اضعافه لصالح إسرائيل، عندها لا يبقى سوى إيران وحزب الله. فأين هي حياة المدنيين وحمايتهم من كل ذلك ؟  انها في النهاية كذبة لا أكثر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق