بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 14 سبتمبر 2013

قراءة أكاديمية في الأزمة السورية: تسوية «الكيميائي» موضعية.. والطبخة لم تنضج - كلير شكر


كانت كل المؤشرات المرئية والمقروءة، تشي بأنّ «الهدّ والقدّ» الأميركييْن لن يشعلا وقود صواريخ «التوماهوك» لتصبّ على «رأس» بشار الأسد. ولو كان البيت الأبيض جدّياً في تهديداته، لما انتظرت ذراعه العسكرية الإذن من الكونغرس أو من مجلس الأمن الدولي أو من غيرهما من المنظومات الدولية. سبق لترسانة «العم سام» أن تدخّلت عسكرياً في السودان أو في اليمن، من دون مشورة أحد. وكان بإمكانها أن تكرر السيناريو ذاته من دون أن يرف لها جفن.
أذ يعتقد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية الدكتور هلال خشان أنّ زمن «الثنائية الدولية» لم يحن بعد، بالرغم من مشهد «الانتصار المشترك» الذي تحاول موسكو تعميمه دولياً. ذلك لأنّ التوازن بين الولايات المتحدة والإتحاد الروسي لا يزال مختلاً لصالح الأولى، وإن كانت الثانية تسعى للعودة إلى الساحة الدولية كلاعب أساسي، لكنّ «عضلاتها» لا تزال محصورة في حلبة دول الجوار دون غيرها.
وبتقدير الخبراء، فإنّ أزمة الكيميائي السوري لم تستعد زمن الحرب الباردة، كما يعتقد البعض، ذلك لأنّ الإدارة الأميركية كانت تخطط من لحظة الإضاءة على «الأسلحة الممنوعة»، لتحييد هذا السلاح الذي قد يتحول خطراً على المحيط السوري، وليس تفجير الوضع أو تعديل «ميزانه». ولهذا كان التركيز على «خاتمة توافقية» تسير على «شفير الهاوية» وتنتهي سلمياً، كما انتهت أزمة الصواريخ الكوبية في العام 1962 بسحب «المواد المشتعلة» بعد التهديد الأميركي بضرب «الجار الكوبي».
فالإدارة الأميركية تعيش «عصر انكفاء» عسكري وصل على متنه باراك أوباما إلى البيت الأبيض، فيما الروس كانوا واضحين بقولهم إنّهم لن يدخلوا حرباً عسكرية مع خصمهم الأميركي، لكنهم كانوا يسعون إلى «تغطيس» الأميركيين في مستنقع الوحول السورية، كي يكونوا «القشة» التي تحمل «المارينز» إلى برّ الأمان، أسوة بما فعله الإيرانيون في أفغانستان والعراق مع الجحافل القادمة من بلاد «العم سام». غير أنّ هؤلاء جرّوا الروس والسوريين إلى اتفاق لتحييد «الكيميائي» من دون أن يشمروا عن سواعدهم.
وهكذا يعتقد خشان أنّ «أزمة الصواريخ» لن تغيّر كثيراً في ميزان القوى السورية على الأرض الذي يعتبر نموذجياً بالنسبة للغربيين، وإن كان ثمة محاولة لربطها بـ«جنيف 2». إذ أن تصارع «الأعداء» أي النظام البعثي والمجموعات السلفية التي هجرت من كل حدب وصوب إلى أرض الجهاد السورية، هو الوضع الأمثل بالنسبة لواشنطن وحلفائها، لأنه يساهم في استنزاف الفريقين، أسوة بما حصل في حرب العراق وإيران التي استمرت أكثر من ثماني سنوات وكلفت أكثر من 600 مليار دولار.
وهنا، تتلاقى مصلحة الجميع، بما في ذلك موسكو وحتى الخليج، بإنهاك المجموعات الأصولية أولاً، وبالحفاظ على وحدة الجيش السوري بنواته العلوية ثانياً، ذلك لأنّ واشنطن لا تريد تكرار تجربة العراق، في حين أنّ التمايز يظهر حين يتصل الأمر ببشار الأسد. ذلك لأنّ العواصم الغربية تعتبر أنّ أي تسوية سورية لا يمكن أن تحتمل بقاء الأسد في سدّة الرئاسة، في حين أن روسيا تجيبهم أنّه ليس بمقدورها الضغط عليه للتنحي، ولهذا يعترضون حتى اللحظة على مبدأ إقالته.
وعلى هذا الأساس، قد يستمر تسليح المعارضة السورية من جانب حلفائها، فقط بهدف الضغط على النظام البعثي كي يقبل بالتسوية. ومن هنا عودة الحديث عن «جنيف 2»، بينما لا تزال شروط انعقاده غير متوفرة بسبب التباين في وجهات النظر. إذ يعتقد الروس أنّ الشعب السوري وحده من يقرر تركيبته الحاكمة، في حين يطالب الأميركيون بالاتفاق على مرحلة انتقالية لا تتضمن الأسد، مع العلم أنّ بعض الخبراء يعتبرون أنّ التسوية السورية لن تنضج قبل أن يُرهق الفريقان وتُستنزف قدراتهما.
وهكذا يرى خشان أنّ الظروف لا تبدو مهيأة لانعقاد مؤتمر دولي في جنيف بحثاً عن حلّ للأزمة السورية، تريده واشنطن على الطريقة اليمنية، بخارطة طريق وفق نموذج «الطائف» اللبناني، الذي يتيح قيام تركيبة توافقية لا تغيّر في موازين القوى بين مكونات الشعب السوري، ولا تؤثر في التموضع الإقليمي لدمشق.
بتعبير آخر، لن تمانع واشنطن، من أن يكون لموسكو ولطهران دور نافذ في سوريا الجديدة، طالما أنّ مصالحها مضمونة، لكن على الأكيد ستتحول سوريا من لاعب إقليمي إلى ساحة نزاع دولي.
أما لبنان، فلا يزال محمياً، وفق الخبراء، بمظلة التوافق الدولي والإقليمي، إذ حتى اللحظة لا قرار إقليمياً أو دولياً بالتفجير. وبالتالي فإنّ بعض المناوشات أو التفجيرات لن تغيّر في الأساس، ذلك لأنّ الفوضى لن تكون لمصلحة أي فريق، ولهذا لا يريدها أحد. إلا أنّ ذلك لا يعفي لبنان من ضريبة الارتباط بالإشتباك الإقليمي، حيث يرى خشان أنّ الأزمة اللبنانية معلّقة على حبل الحوار الأميركي- الإيراني دون غيره، والذي لم يأخذ مداه بعد، فيما يبدو أنّ الجميع غير مستعجل لإنضاجه باكراً.. وعليه سيبقى الوضع اللبناني على رصيف الانتظار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق