بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 12 سبتمبر 2013

طبيعة الصراع الدائر في مصر د. يوسف نور عوض





منذ اندلاع ثورات الربيع والعالم العربي يترقب التحولات التي يمكن أن تحدث في الأنظمة السياسية في هذه المنطقة، غير أن شيئا مهما لم يحدث في هذا الاتجاه، ذلك أن الحقيقة التي غابت عن الكثيرين هي أن العالم العربي منطقة تختلف عن غيرها من بعض بلاد العالم بكونها تخضع لثقافات محلية ذات طبيعة اجتماعية وقبلية وعقدية يصعب تحويلها إلى نظم سياسية تشبه النظم السائدة في العالم الغربي، هذا الواقع يجعل ترقب ما يحدث في مصر الأكثر أهمية بكون المجتمع المصري مجتمعا محوريا في هذه المنطقة من حيث كثافته السكانية ومن حيث إنه المجتمع الذي تقل فيه الصراعات التي تشهدها بلاد عربية أخرى، وبالتالي هو أكثر المجتمعات ترشحا لأن يتجاوز مشكلاته الآنية من أجل أن يكون نظاما سياسيا صالحا لأن يقدم نموذجا يصلح لما يمكن أن يكون عليه التحول في هذه المنطقة، وهنا لا بد أن نتوقف لنتفهم الآن من خلال محاور ستة، اجتهد البعض في تحديدها من خلال الصراع الدائر بين سلطة الجيش الانقلابية وبين مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي.
وكما هو معلوم فإن الرئيس مرسي تولى السلطة على مدى عام ونصف العام بعد سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك.وذلك قبل تنحيته بواسطة انقلاب عسكري، لكن الموقف من الرئيس مرسي لم يقتصر على الجيش وحده إذ واجه الرئيس أيضا معارضة شعبية كبيرة من كثير من الذين يعارضون حكم الإخوان المسلمين، لأنه مكن لهم في المناصب الوزارية وغيرها من المناصب التي تجعلهم يسيطرون على أمور البلاد كلها، ومن الانتقادات التي وجهت للرئيس مرسي أنه لم يتعامل مع الفلول أو بقايا حكم الرئيس مبارك إذ مكنهم من الاستمرار في العمل في مؤسسة القضاء ووزارة الداخلية على الرغم من أن هؤلاء لم يؤيدوا رئاسة مرسي وأصبحوا يتآمرون لإقصائه من السلطة.
ولم تقتصر الاحتجاجات على ذلك بل تطورت إلى غليان شعبي هو ما أدى بالجيش إلى توجيه إنذار في الثلاثين من يونيو موعد انتخابه يطالبه بأن يستجيب لمطالب الشعب خلال ثمان وأربعين ساعة وهي بكل تأكيد فترة قصيرة وغير مناسبة، وهكذا حينما انقضت المدة تدخل الجيش وأقصى الرئيس مرسي بل واعتقله أيضا، لكن الكثيرين من معارضي الرئيس مرسي لم يروا في تدخل الجيش انقلابا عسكريا بل رأوا فيه تصحيحا للمسار واستمرارا للثورة التي أسقطت نظام الرئيس حسني مبارك.
وقد وضع الرئيس المعزول مرسي في مكان غير معلوم ووجهت له كثيرا من الاتهامات كما ظلت السلطات العسكرية تمدد فترات اعتقاله وتوجه له الاتهامات المتضمنة جرائم يقول الجيش إنه ارتكبها، غير أن سلطات الجيش سمحت لوفد من الاتحاد الأفريقي بزيارته كما سمحت لمفوضة الاتحاد الأوروبي ‘كاثرين آشتون’ بزيارته أيضا. ومن الاتهامات التي وجهت إلى الرئيس مرسي هروبه من السجن بمساعدة حزب الله وحماس، وقد دمرت في عملية الهروب كثيرا من الوثائق في السجن كما قتل بعض رجال الشرطة في هذه العملية بحسب ادعاءات الجيش .
ومنذ اعتقال الرئيس مرسي تعرضت مصر لسيل من
التظاهرات الشعبية التي يختلف الناس حولها كثيرا، إذ بينما تقول زعامة الإخوان المسلمين إنها من أجل تأييدهم وإدانة اعتقال مرسي فإن المعارضين لهم يقولون إنها تظاهرات شعبية تؤيد موقف الجيش، ولا شك أنه من الصعوبة بمكان الوصول إلى رأي حاسم في هذه المسألة ويبدو أن التظاهرات مثلت الجانبين.
وقد ذكر الإخوان المسلمون في موقعهم الرسمي على شبكة الإنترنت أن اعتقال الرئيس مرسي أمر غير شرعي ويجب إطلاق سراحه فورا وإعادته إلى منصبه، وهم بالتالي لم يوافقوا على الحكومة المؤقتة التي شكلها الجيش واعتبر الإخوان المسلمون أن ما قام به الجيش عملية قتل لما اعتبروها أكبر ديموقراطية بدأت في التشكل في منطقة الشرق الأوسط.
ومن جانبها أعلنت الحكومة المؤقتة التي شكلها الجيش على لسان وزير إعلامها أنها لن تحتمل استمرار التظاهرات على هذا النحو في الشوارع .
وعلى الرغم من أن السلطة العسكرية قد عينت رئيسا مؤقتا هو عدلي منصور تساعده حكومة برئاسة ‘حازم الببلاوي’ فإن المؤكد أن العسكر هم الذين يمتلكون زمام الأمور ويسيرون الأحداث في مصر .ويبدو ذلك واضحا في طلب قائد الانقلاب ‘عبد الفتاح السيسي ‘ من الجماهير أن تخرج في تظاهرات في الشوارع لتأييد الانقلاب، ودعم موقفه في اتخاذ إجراءات حاسمة ضد المحرضين على التظاهرات . وهنا بدأت تثار تساؤلات أين يقف المجتمع الدولي من كل ما يجري في مصر؟ وظل التركيز على موقف الولايات المتحدة التي لم تحدد موقفا واضحا من أطراف الصراع، وقالت إن كل ما تهتم به في هذه المرحلة هو التقليل من العنف والتأكد من أن العملية السياسية تسير في مسارها الصحيح. وسئل وزير الخارجية الأمريكي ‘جون كيري’ عن موقف الولايات المتحدة من تنحية الرئيس مرسي فقال إن تدخل الجيش كان استجابة للملايين من أبناء الشعب الذين طالبوا الجيش بالتدخل لتسلم السلطة، ويفهم من ذلك أن الولايات المتحدة لا تعترض على قيام حكم عسكري في مصر من أجل إحداث تغيير في البنية السياسية والعمل على تجنب أن تقع البلاد في الفوضى، .وقد استدرك كيري أن الذي يدير البلد تحت مراعاة السلطة العسكرية حكومة مدنية، وعلى الفور استنكر الناطق باسم الإخوان المسلمين ‘جهاد الحداد’ موقف الولايات المتحدة واتهم إدارة الرئيس أوباما بأنها مشاركة في الأحداث التي تجري في مصر متسائلا هل باستطاعة الجيش أن يعيد الديموقراطية إلى البلاد.ومؤكدا أن دعم الولايات المتحدة لمصر هو بسبب أن مصر مع الأردن هما الدولتان الوحيدتان اللتان تقيمان علاقة مع إسرائيل.
ويتساءل الكثيرون الآن هل الديموقراطية في مصر وفي العالم العربي قصر على الجميع باستثناء الإخوان المسلمين .ولماذا لا يريد الكثيرون أن يعمل الإخوان المسلمون في النور بدل أن يتحولوا إلى حركة سرية .
وإذا نظرنا إلى هذا المشهد في مجمله وجدنا أن ما يدور في مصر هو في حقيقته صراع بين سلطة عسكرية يمكن أن تسمى انقلابية استمرأت أن تكون في موقعها وحركة الإخوان المسلمين التي أقصي رئيسها عن السلطة وهي تطالب بعودته تحت شعار عودة الشرعية، ولا شك أنه من الناحية النظرية فإن عودة الشرعية تعني عودة حكم الإخوان المسلمين، وذلك ما يعترض عليه الجيش وكثير من القوى الشعبية التي تريد نظاما سياسيا لا يقصي الإخوان المسلمين ويريدهم أن يتعايشوا مع غيرهم في إطار هذا النظام السياسي، وتعتقد هذه القوى أن صعود الإخوان المسلمين كان بسبب فراغ سياسي كانوا هم القوة الوحيدة المنظمة فيه، ويعتقد الكثيرون أن الإخوان المسلمين ظلوا فترة طويلة يطالبون بالسلطة تحت شعارات عامة ولكنهم لم يقدموا بنية سياسية متكاملة لمشروعهم السياسي وذلك ما يتحتم عليهم فعله إذا كانوا يرغبون في المنافسة كغيرهم من الأحزاب بشرط ألا يلغي مشروعهم وجود الآخرين .
ويبدو من كل ذلك أن ما تحتاجه مصر في الوقت الحاضر هو الخروج من مرحلة الصراع والتفكير في بنية النظام السياسي الذي يحقق الاستقرار ويضمن نجاح البنية الاقتصادية التي تحقق مصالح المواطنين. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق