بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 23 سبتمبر 2013

القرار السليم في الوقت السليم .. طلال عوكل


لا حاجة للقيادات السياسية، التي تتقاسم السلطة بين غزة والضفة لأن تنتظر تمرداً هنا أو تمرداً هناك، حتى تدرك مدى عمق الأزمة، بل الأزمات المتفاقمة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني. 
الوقائع على الأرض، أكثر وضوحاً وفجاجة من أن تحتاج إلى استظهار، وقراءتها من خلال تحليل موضوعي مهني سيبين حجم المخاطر التي تحيق بالقضية الفلسطينية، والآثار العميقة التي تتركها على حياة الفلسطينيين، والوعود التي تحملها لهم الأيام القادمة في حال استمر الانقسام واستمر الحصار، واستمرت المفاوضات العبثية، وفي حال استمرت المكابرة، والحسابات الخاطئة والفئوية.
إن العقل السوي، والملتزم وطنياً، سيفكر ألف مرة، بحال الناس، بقدرتهم على الصمود، باستعدادهم لتحمل المزيد من المكابدة والوجع الصعب، سواء أكان هذا العقل يدير مفاوضات، يراهن على أن تقدم شيئاً للشعب والقضية، أو كان مقاوماً، يسعى هو الآخر لأن يحقق للشعب أهدافه الوطنية. 
دون أن ننتظر، استطلاعات رأي، فإن أي مواطن يعيش في الأراضي الفلسطينية المحتلة، محل آمال الفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة، سيرى بعينيه ويلمس بكل حواسه، مدى الغضب والرفض الشعبي، لكل السياسات المتبعة سواء منها ما يعتمد المفاوضة أو من يعتمد المقاومة.
لسنا هنا بصدد الحديث عن الاحتمالات الواقعية التي يمكن أن تنجم عن مفاوضات تضع إسرائيل أمامها في كل لحظة المزيد من العقبات الكبيرة والخطيرة، ولا نحن بصدد الحديث عن مدى وإمكانية نجاح مشروع المقاومة، وفق آلياته وأبعاده ومحدداته القائمة والمرتقبة، فهذه وتلك صدرت بشأنها أحكام متشائمة من طرفي المعادلة السياسية الفلسطينية، كما من بقية القوى والفصائل.
كما أننا لسنا بصدد أو بحاجة لتشخيص واقع الحال لتبيان سوءاته ومخاطره على الكل الفلسطيني دون استثناء، فلعلّ الأهم، هو، حث الأطراف صاحبة القرار والتأثير واستفزاز وطنيتها، أو حتى مصالحها الفئوية والذاتية، على ضرورة التقدم بقرارات وإجراءات حقيقية، قد تكون صعبة، ومبادرات جادة، من أجل إعادة التوازن للوضع الفلسطيني.
تعرف القيادات السياسية، التي تتصدر سدة القرار في فلسطين
، أن المواطن الفلسطيني غير مستعد، وهو لم يكن مستعداً في أي وقت، لأن يدفع ثمن حياته، انتصاراً للفئوية، وانتصاراً للانقسام، وهو أي المواطن الفلسطيني مستعد لأن يدفع، أو يتقبل بصدر رحب، أي ثمن في اطار مواجهة الاحتلال، ومن أجل الانتصار للقضية، ولحقوق الشعب الفلسطيني. 
لقد صدق من قال إن ظلم الأقربين أشدّ مضاضة، وقد تحمّل الشعب ما يكفي ويزيد من مظالم الأقربين. 
في تقرير نشرته جريدة "الأخبار" يوم التاسع من الشهر الجاري، حول "تمرد الغزية" ثمة اتهامات صعبة، بأنها تتلقى أوامرها من تمرد مصر، ومن رجلها القوي والمقصود الفريق عبد الفتاح السيسي، وبأنها أي تمرد الغزية، بصدد تكرار تجربة تمرد مصر، وظاهرة "رابعة العدوية"، واستباحة حرمة الدم الفلسطيني.
وبغض النظر عن مدى أهمية، أو جدية ظاهر "تمرد الغزية"، وبعيداً عن الاتهامات التي يتم إلصاقها بها، وما إذا كانت قادرة على أن تكرر في غزة، ما وقع في مصر، وحتى بغض النظر عما إذا كانت هناك ظاهرة من هذا النوع، أو عدمه، فإن الحال تتحدث عن نفسها.
أيها المسؤولون، إياكم أن تعتقدوا للحظة واحدة، أن أغلبية الناس مرتاحة لانقطاع التيار الكهربائي، كل هذه السنوات، إياكم أن تعتقدوا للحظة واحدة، أن أغلبية الناس غير مستفزة، وغاضبة بسبب إغلاق معبر رفح، وبغض النظر عن المسؤول عن ذلك. 
لا يمكن أن تبنوا اعتقاداتكم وسلوككم، على اعتبار أن الناس يمكن أن تتقبل، استمرار أزمة الوقود على النحو الذي هي عليه، أو أن تقبل في أي وقت أو بأي حال استمرار ظواهر القمع، وكبت الحريات، حتى لو كان ذلك باسم القانون وبدواعي منع الفوضى. 
لا يمكن للناس، أيضاً، أن تقبل استمرار صراخ المسجد الأقصى بلا مجيب، أو تغوّل الاستيطان، واستباحة الأرض والبشر والشجر، فيما يبدي المسؤولون عجزاً وضعفاً، وتردداً غير مبرر.
في تصريح تضمنه تقرير جريدة "الأخبار"، يقول مسؤولها في فلسطين بحسب التقرير عبد الرحمن أبو جامع، غير الموجود في غزة، إن الحركة (تمرد)، تركز نشاطها وعملها في قطاع غزة، لأنه لم يلمس ظلماً في الضفة، أكثر من الظلم الذي تمارسه "حماس" في قطاع غزة، وأنه سيستعين بمصر في حال رفضت "حماس" التخلي عن السلطة للشعب. 
إن من يصدق بأن مصر يمكن أن تتدخل عسكرياً، لتغيير الوضع القائم في قطاع غزة، لا شك يفقد البوصلة أو أنه سيستخدم ذلك، في اطار التحريض على مصر لأسباب تتصل بالموقف من الجاري في الجوار المصري. 
ولكن في كل الأحوال هناك قضية، بل إن هناك قضايا وصمت الشعب لا يعني الرضا، فالأوضاع على فوهة بركان، ومن غير المعقول أن تكون حركة "حماس" وحكومتها في قطاع غزة، على عداء مع إسرائيل، ومصر، والسلطة الفلسطينية، وفئات واسعة من الشعب، تعاني الأمرّين، وغير راضية عن استمرار واقع الحال.
إن كنا ننتظر، أو إن كان هناك من ينتظر، أن تبادر حركة "فتح"، والسلطة للمصالحة وفق الاتفاقيات السابقة، يكون مخطئاً، ولا يدرك أصول وقواعد العمل السياسي. 
الاتفاقيات السابقة تمت في ظروف، وفي ظل موازين قوى وشروط معينة، تغيرت اليوم على نحو كبير، ما يستلزم من حركة "حماس" أن تقدم مبادرة شاملة، وواضحة، حتى لو اضطرت لأن تقدم بعض التنازلات. 
هذه المبادرة ينبغي أن لا يتم تقديمها لحركة "فتح" فقط كما كانت الحال، وإنما، للرأي العام الفلسطيني، ولكل القوى السياسية والفصائل ومنظمات المجتمع المدني، حتى يدور حولها حوار وطني جامع. 
إن كان لهذه النصيحة من فائدة فإنها تأتي في الوقت المناسب، وبإخلاص وطني حقيقي ومسؤول تجاه كل مكونات الشعب الفلسطيني، ولأن أي تأخير من شأنه أن ينطوي على أثمان أكبر، فالقرار الصحيح، يتم اتخاذه في الوقت الصحيح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق