بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 5 مايو 2014

لبنان: الاقتصاد و«الطابور الخامس» -عدنان الشهال

ما يحصل اليوم في لبنان يذكر بما كشفه رئيس الحكومة الراحل رشيد كرامي في خريف عام 1985، بعد عودة الوفد اللبناني المؤلف من نائب رئيس حاكم مصرف لبنان وبعض كبار موظفي وزارة المال الذين شاركوا في محادثات اجتماعات صندوق النقد. إذ ذكر هؤلاء أنهم تلقوا اتصالات تدعوهم إلى عدم القيام بأي جهد من أجل تنمية الاقتصاد الوطني، لأن الحرب الأهلية لن تضع أوزارها إلا بانهيار الاقتصاد اللبناني، وبالتالي إفلاس الدولة.
في تلك الفترة كانت سلطة الدولة في انحسار واضح، وأهمّ موارد الدولة تذهب إلى أمراء الحرب. إلاّ أن وجود احتياط في الخزينة كان كافياً لتسيير شؤون الدولة الضرورية.
في هذا الجو المنذر بأوخم العواقب صرّح رئيس الحكومة وزير المال بما علمه من الوفد، بكلام واضح خلافاً لعادته باعتماد التلميح في تصاريحه، وقال: «تأكدت أن هناك اتصالات يقوم بها بعضهم مع عدد من كبار الموظفين الماليين وبعض المؤسسات والفاعليات طالبين إليهم العمل بكل الوسائل من أجل إفلاس هذا البلد وانهيار اقتصاده...».وما كشف عنه الرئيس كرامي من موقعه المسؤول يرتدي في الواقع أهمية بالغة الخطورة، فمن جهة يؤكد وجود طابور خامس اقتصادي يسعى إلى زعزعة ثقة المسؤولين الماليين وبعض الفاعليات الاقتصادية بمستقبل البلاد ويدعوهم بالتالي إلى عدم مقاومة التيار والسير في مخطط انهيار الاقتصاد الوطني.
ولكن يستنتج من كلام الرئيس كرامي من جهة ثانية: «أن هناك فئة من اللبنانيين الفاعلين في صنع القرار المالي والاقتصادي، ترفض الخضوع لرغبات الأجنبي، وتستوحي في عملها مصلحة البلاد العليا»، على رغم فئات أخرى تعمل ربما على تنفيذ المخطط الخارجي مأخوذة في دوامة العنف أو بسراب المكاسب، فكلما طال مسلسل العنف وعلت أصوات المدافع تضاءلت فرص الإنقاذ الاقتصادي وبالتالي تلاشت الأحلام.
اليوم، وبعد مرور نحو ثلاثة عقود على تصريح الرئيس كرامي التحذيري، نجد أن تردِّي الأوضاع العامة في لبنان هو ما كان يخشاه الرئيس كرامي، من أن نواجه وضعاً خطيراً بفعل ما يدور حولنا في المنطقة من أحداث مصيرية. ومن المؤسف أن الدولة عاجزة أحياناً عن الإمساك بزمام الأمور أمنياً وإدارياً. ويمكن اختصار المشهد كالآتي:
- منذ سنوات والحكومات تحكم من دون موازنة لأنه كان عليها أن تضع قطع حسابات الموازنات الماضية منذ عام 2005 وهي متشابكة، والإنفاق بعضه غير مُوثَّق. وتعتمد الدولة القاعدة الاثني عشرية في الاتفاق استناداً إلى موازنة 2005 المحددة بينما ليس هناك أساس لاعتماد هذه القاعدة في السنوات اللاحقة، ويحظى كل وزير على اعتمادات إضافية من المال الاحتياطي، وقد يتجاوز طلبات الاعتمادات، بقدر نفوذه، لتبلغ أضعاف ما يحق له إنفاقه. ويُقال أن أحد الوزراء أنفقَ كل الاعتمادات المخصصة لثلاث سنوات مقبلة.
- كانت هناك مشاريع قوانين تتعلق بمصالح الناس الحياتية المُلِحّة. ومع ذلك، فالدولة حكومة ونواباً كانت غافلة عما قد ينتج من ذلك من تداعيات اجتماعية قد تدفع بعض الفئات المحرومة إلى الانخراط في موجة الإرهاب حُبّاً بالمال!!
- الدولة غارقة في مستنقع من الديون، وازدادت نسبتها عام 2013 نحو 1.7 في المئة وفق بيان رسمي يفيد بأن حجم الدَين العام بلغ 65 بليون دولار. أما الواقع، كما يؤكد خبير مالي واقتصادي، فيشير إلى 72 بليون دولار، منها 10 بلايين لصندوق الضمان الاجتماعي. فمن هي اليد التي امتدّت إلى هذا الصندوق المهم بالنسبة لعشرات آلاف المضمونين؟ لذلك لا نستغرب قصور الخزينة عن الوفاء بتسديد التزاماتها الاجتماعية، لا سيما التزامات الدولة بتنفيذ سلسلة الرتب والرواتب.
- يملك لبنان ثروة نفطية هائلة في المياه الإقليمية كما هو معروف، وأيضاً في المناطق البرية. هذه الثروة هي خشبة الخلاص لمشاكل لبنان الاقتصادية والإنمائية والاجتماعية. ومع ذلك لا تزال قابعة في قاع البحر، ولا من حكومة تُقدم على استغلالها. والأسباب عدة وهي غير مُقنعة، تارةً هناك تباين في اتجاهات بعض المسؤولين بحسب نصائح من دول صديقة تدعو إلى التريث باستخراج هذا الذهب الأسود. وقد يكون الوزير جبران باسيل قد كبَّل نفسه عندما أصدر قوانين وأنظمة تتطلب إصدار مراسيم تنفيذية في ظل حكومة تصريف أعمال، وكان في استطاعته وضع الحكومة أمام الأمر الواقع باعتماد قانون النفط القديم الساري المفعول الذي بموجبه وضع الوزير الراحل غسان التويني ملفاً للنفط خلال شهر عام 1975، وتمّ استدراج عروض لستين شركة عالمية، أجاب منها عشرة بالإيجاب، ولكن لمزيد من الدرس تبعاً إلى الظروف الأمنيّة السائدة آنذاك.





هذا هو المشهد اللبناني السيء، ونرجو مع وجود حكومة جديدة أن يتحول إلى مشهد أقل سوءاً. ولا بد من الإشارة أيضاً إلى فساد إداري واضح المعالم ومُستشرٍ، ولا رقابة جدية، وتهاون في تطبيق القوانين والأنظمة إلى حدّ الإهمال، وكأنّ بعض الإدارات الرسمية غير موجودة في الأساس. فهل أخذت الفعاليات السياسية والاقتصادية تحذير الرئيس الراحل كرامي بما يستحقه من جدية؟





إن الأجواء المريحة التي سادت بدايات انعقاد مجلس الوزراء الجديد توحي بمرحلة تتميز بإرادة جميع الأفرقاء طي صفحة الخصومات وتقارب الأضداد لتشكيل جبهة موحّدة من أجل مصلحة لبنان العليا، بالتالي إعادة ثقة المواطنين بوطنهم ودولتهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق