بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 28 أغسطس 2013

ثقافة العنف السياسي في العالم العربي د. يوسف نور عوض



أصبح العنف سمة بارزة في الحياة العربية الحديثة، فلا يكاد الإنسان يستيقظ من نومه إلا ويسمع أخبار الانفجارات في مختلف الأماكن، ولم تكن الحياة العربية تعرف هذا النوع من السلوك من قبل، والغريب أنه سلوك يأتي بعد حقبة كان مجرد وقوع حادثة قتل فيها يستقطب اهتمام معظم الناس واستهجانهم. 
يقول عبدالله المدني في مقالة جيدة كتبها باللغة الانكليزية في صحيفة ‘أخبار الخليج ‘ إن العنف أصبح ظاهرة ثقافية في العالم العربي، وهذه مرحلة تأتي بعد حقب كان العرب يركزون فيها على التنمية والاقتصاد ومحاولة اللحاق بالعالم المتقدم. ويذهب المدني إلى القول بأن هذا التحول في السلوك يوحي بأن الأمة العربية لم تتنبه إلى الدروس التي خلفتها الأمم التي اتبعت أساليب الحروب والسيطرة من أجل تحقيق أهدافها وفشلت في ذلك، والغريب من وجهة نظره أن ثقافة العنف هذه لا تتبناها الطبقات المتدنية في المعرفة بل يتبناها المثقفون، والصفوة انطلاقا من أفكار خاصة يؤمنون بها، ويظهر ذلك جليا – من وجهة نظره- في مئات المقالات التي يكتبها المثقفون كما يظهر في الخطب التي تتردد أصداؤها في أماكن العبادة وغيرها حيث تتعالى الأصوات المنادية بالجهاد والاستشهاد.
ويؤكد المدني أن ليس العرب كلهم يشاركون في هذه الثقافة ولكن الذين يشاركون فيها فتحوا المجال أمام بعض الشعوب وخاصة في العالم الغربي للاعتقاد بأن العالم العربي منطقة يسيطر عليها الإرهابيون الذين يواجهون بالعنف كل من يقف في طريقهم.
ولست هنا في موقف الدفاع عن ثقافة تواجه اتهامات تتردد من وقت لآخر، بل في موقف النظر بموضوعية إلى هذه الظاهرة لاستجلاء أسبابها ومعرفة لماذا يعتقد الكثيرون أنهم قادرون على تحقيق أهدافهم بالعنف أكثر مما هم قادرون على تحقيقها بوسائل أخرى في وقت يعرف فيه الجميع أن العنف لم يكن في يوم من الأيام وسيلة ناجعة لتحقيق الأهداف أو ردع الطرف الآخر عن القيام بممارساته، خاصة إذا كان الطرف الآخر لا يعرف هوية الذين يقومون بالعنف أو الأغراض التي يستهدفونها 
وإذا نظرنا إلى العالم العربي خلال مرحلة الحرب الباردة، وجدنا أنه كان يتسم بدرجة عالية من الهدوء، ذلك أن الدول الأجنبية والكبرى منها على وجه الخصوص كانت تركز على مصالحها وتوفر الحماية للأنظمة التي تستفيد منها أو التي تدخل ضمن استراتيجياتها، ولكن مع نهاية الحرب الباردة انسحبت معظم الدول الأجنبية عن المنطقة من الناحية الفعلية وتركت الأنظمة تواجه مصيرها أمام شعوبها، ونظرا لأن كثيرا من الأنظمة في المنطقة كانت أنظمة عسكرية وقمعية فقد بدأت جماعات التطرف تفكر في تنظيم أنفسها من أجل مواجهة هذه الأنظمة، ويلاحظ أن معظم جماعات التطرف هي التي تؤمن بمبادىء لا تساوم فيها وترى أن على العالم أن يخضع لها، ويفسر ذلك جرأة التنظيم الذي قام بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة والذي فتح صفحة جديدة من العنف في مناطق كثيرة من العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط؟ 
ومع تنامي ظاهرة العنف بدأت كثير من المؤسسات تنظم مؤتمرات لدراسة هذه الظاهرة ومعرفة أسبابها ومحاولة الخروج منها، ومن بين هذه المؤسسات مؤسسة المستقبل التي عقدت في العام الماضي مؤتمرا في الأردن شارك فيه عدد من الخبراء حاولوا دراسة ظاهرة العنف في العالم العربي، وخلصوا إلى أن التغيير المنتظر لا يمكن أن يتم بغير الوسائل الديموقراطية، ويظل السؤال قائما ، كيف يمكن أن تتحقق الديموقراطية في العالم العربي، وما هي الوسائل إلى تحقيقها في مثل هذا العالم الذي نرى فيه نظاما مثل النظام السوري يقتل شعبه على هذا النحو دون رادع ودون أن يكون هناك ضوء في آخر النفق، كما نرى فيه عقبات مثل تلك التي تحدث في مصر حيث يقفل باب الحوار وتوضع العقبات في الطريق بحيث يصبح من الصعب إيجاد الحل المناسب، إذ ما جدوى أن يتحدث الناس عن الشرعية إذا كانت الشرعية ستكرس الشقاق وتقفل الطريق أمام مخرج معقول للأزمة.
الحقيقة التي يجب أن ندركها جميعا هي أن العالم العربي لم يمارس الديموقراطية من قبل، غير أنه مع وجود حراك جديد أصبح الكثيرون يتحدثون عن الديموقراطية، وهي لا تعني عندهم أكثر من الركوب على ظهر جواد جامح أو نمر هائج وهو ركوب يؤدي إلى السقوط ولا يحقق الأهداف، ذلك أن الديموقراطية لا تعني أن تستخدم مجموعات الانقسام أدواتها ووسائلها من أجل تأكيد نفوذها وإعطاء نفسها قدرا من الشرعية، بل الديموقراطية تعني – في الأساس – اعتراف الجميع بأن الساحة تتسع لمختلف الاتجاهات التي يمكن أن تتعايش في سلام مع الإدراك في الوقت ذاته أن ليس في قدرة أي فصيل أن يفرض نفوذه على فصيل آخر بواسطة العنف، وحين يدرك الجميع ذلك يتمكنون من وضع لبنات الديموقراطية.
لكن هل الديموقراطية مسألة داخلية تخص العرب وحدهم، الإجابة بكل تأكيد لا، لأن هناك من يزعمون أن الديموقراطية في العالم العربي سلاح ذو حدين كما ورد في المقالة التي كتبها ‘شلومو بن عامي’ وزير الخارجية الإسرائيلي السابق الذي زعم أن قطاعات كبيرة في العالم العربي ترى في توجهات الولايات المتحدة وأوروبا في دعم التوجهات الديموقراطية في هذا العالم ضربا من السذاجة لأن الديموقراطية في نظر الكثيرين سوف تفتح المجال أمام قوى التطرف للتنافس مع غيرها على قدم المساواة، والسؤال المهم هو إذن ماذا يريد العالم العربي؟
يلاحظ أن كثيرا من الكتاب الغربيين أصيبوا بحالة من اليأس وهم يرون ما أسفرت عنه ثورات الربيع العربي وخاصة في مصر، وقال بعض هؤلاء إن ما يحتاجه العالم العربي ليس هو الديموقراطية بل الرأسمالية، والمقصود هنا هو الخروج من حالة الفقر التي يعاني منها الكثيرون، ذلك أن معظم المواطنين في العالم العربي غير مشغولين في نظر هؤلاء الكتاب بأساليب الحكم بل هم مشغولون فقط بالوسائل التي توفر لهم العيش، ولا شك أن الكثيرين لا يفكرون بشكل جدي في وسائل الحكم ولكن ذلك لا يقلل من أهمية تلك الوسائل ذلك أنه في إطار نظم حكم سليمة يمكن أن تكون هناك مراعاة لمصالح الناس كما يمكن أن توضع الأسس التي يتمكن بها الكثيرون من توفير العيش الكريم لأنفسهم.
ومؤدى قولنا أن ما يحتاج إليه العالم العربي من أجل مواجهة موجات العنف المتصاعد هو وضع الأسس التي تقنع الجميع بإمكان العيش في مجتمع متعدد الأعراق والثقافات، إذ لا ينبغي أن تكون الاختلافات العرقية أو العقدية والطائفية هي الأساس الذي تقوم عليه بنية المجتمع الحديث، ولدينا أسوة في كثير من دول العالم الغربي التي لم تتخل عن انتماءاتها في هذه المجالات، ولكنها وضعت صيغا للتعايش في مجتمعات تتسم بالتنوع تحت ظل القانون والحقوق المتساوية، وذلك ما يجب أن يكون عليه الحال في العالم العربي حتى تنتهي موجة استخدام العنف كوسيلة لتحقيق الأهداف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق