بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 27 أغسطس 2013

في مصر تكون الولايات المتحدة أفضل حالاً عندما لا تفعل شيئاً روبرت ساتلوف

إن "عدم فعل أي شيء" يكون دائماً بنفس أهمية "فعل شيء ما". لقد بعث الرئيس أوباما برسالة قوية حول الأولويات الاستراتيجية للولايات المتحدة عندما قدّم إدانة شفهية دون أي إجراء عقابي جاد ضد حكام مصر بسبب قمعهم العنيف للمتظاهرين المناصرين للرئيس المخلوع محمد مرسي. ومع ما تواجهه الولايات المتحدة من خيارات سيئة في ظل ظروف سيئة، فإن ما قاله أوباما كان الخيار المناسب.

إن العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر في صورتها الحديثة وُلدت منذ 40 عاماً أثناء حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، عندما أطلق وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر مبادرة دبلوماسية بين مصر وإسرائيل، أسفرت عن توقيع اتفاق سلام تاريخي في عام 1979. وقد أصبحت واشنطن شريكاً لا غنى عنه لكل من إسرائيل - الدولة الديمقراطية الرائدة في المنطقة، ومصر - الدولة العربية الأقوى والأكثر اكتظاظاً بالسكان.
وقد استمر نجاح كيسنجر على مدار أربعة عقود دون اندلاع حرب بين الدول على الساحة العربية الإسرائيلية. ورغم أن المنطقة عرفت إرهاباً مروعاً وصراعاً نجم عن فاعلين من غير الدول مثل «حزب الله»، إلا أن التهديد الذي هيمن على التفكير الاستراتيجي منذ الأربعينيات - حرب تقليدية على الطراز القديم - قد أصبح الآن شيئاً من الماضي. فالمساعدات الأمريكية لمصر لم تحافظ فقط على ذلك السلام الضعيف بل دعمت كذلك قيام علاقة ثنائية أوسع نطاقاً شملت التعاون الأمني ​​والتنسيق لمكافحة الإرهاب والمعاملة التفضيلية للسفن الأمريكية العابرة لقناة السويس والطائرات الامريكية التي تحلق فوق الأراضي المصرية.
وعلى مدار سنوات، سعى الأمريكيون بشكل مبرر إلى تحقيق المزيد من هذا الاتفاق. فعلى المستوى الإقليمي، أرادت الولايات المتحدة من مصر قيادة دائرة موسعة من الدول العربية نحو تحقيق سلام مع إسرائيل؛ وعلى المستوى الداخلي، أرادت واشنطن أن تشهد تطوراً لنظام سياسي في مصر يحمي الأقليات الدينية، وخاصة المسيحيين، ويحترم حقوق الإنسان ويوفر مساحة لمعارضة شرعية وغير عنيفة.
وفي ظل حكم حسني مبارك، صدّت مصر واشنطن على وجه العموم في جميع هذه المسائل؛ فكل ما أرادته كان الصفقة التقليدية. وقد تقبل الرؤساء الجمهوريون والديمقراطيون ذلك على مضض وقبلوا بشروط الصفقة القديمة.
وعندما أرغمت انتفاضة "ميدان التحرير" على الإطاحة بمبارك في عام 2011، بدا أن خطاب الرئيس أوباما المحلق يعتنق دعوات المتظاهرين إلى الديمقراطية. إلا أن سياسة الولايات المتحدة كانت في الواقع أقل نبلاً؛ فقد دعمت واشنطن نقل السلطة من جنرال سابق في سلاح الجو (مبارك) الذي كان آنذاك في الثانية والثمانين من عمره إلى جنرال سابق في الجيش المصري محمد طنطاوي، الذي كان حينها وزيراً للدفاع في الخامسة والسبعين من عمره. وكانت واشنطن تأمل أن يستطيع الجيش المصري الحفاظ على الجوانب الأكثر أهمية من العلاقة بين الولايات المتحدة ومصر مع قيادة مرحلة انتقالية نحو حكم مدني منتخب.
وفي ضوء ندرة المؤسسات الفعالة في البلاد، فقد كانت تلك السياسة معقولة ومنطقية، إلا أنها كانت أيضاً خطأ استراتيجياً، ويعود ذلك بصفة أساسية إلى أن الجنرالات كانوا ساذجين من الناحية السياسية. فتخبطهم نتج عنه إصدار سلسلة من الإعلانات الدستورية المعيبة والاستفتاءات والانتخابات التي أسفرت عن إقامة حكم أغلبية مناهض للسلام ومعادي للولايات المتحدة تحت سلطة «الإخوان المسلمين» الذين يفتخرون بتضخيم الذات وتفخيمها.
وبعد وصولها إلى السلطة بعام، عندما خرج ملايين المصريين إلى الشوارع للمطالبة باستقالة مرسي، تدخلت القوات المسلحة. وظاهرياً، يهدف الجيش إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء - أي إلى شباط/فبراير 2011، وإعادة المحاولة مرة أخرى لإرساء الأسس لقيام حكم مدني - ولكن هذه المرة لن يعيد المفاتيح إلى جماعة «الإخوان».
وفي الشهر الماضي أوصت واشنطن بعدم القيام بذلك التدخل كما نصحت ضد اتباع حملة القمع التي مارسها الجيش هذا الشهر؛ وفي كلا المرتين رفض الجنرالات في مصر نصيحة الولايات المتحدة. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن القوات المسلحة اعتبرت أن مواجهتها مع «الجماعة» هي مسألة حياة أو موت. وربما يكون الجيش قد اختار نهج القبضة الحديدية لسحق مظاهرات «الإخوان» بدلاً من التوصل إلى حل وسط أو اتباع نهج أكثر دهاءً بـ "منع وصول الطعام" إليهم [لإجبارهم على فض الاعتصامات]، وتحديداً لأن واشنطن بدت أكثر اهتماماً بإنقاذ «الجماعة» كفاعل سياسي بدلاً من الانحياز مع الكثير من المصريين - وربما أغلبيتهم - الراغبين في ابتعاد «الإخوان» كلية عن المشهد السياسي.
وعلى غرار سابقيه من الرؤساء الأمريكيين، أرغم الجيش المصري أوباما على إعطاء الأولوية للمصالح الأمريكية، وهو أيضاً وضع المصالح أولاً، والقيم ثانية. فمع كل أخطاء الجنرالات، فإن فرص ظهور حكومة مدنية فعالة ومنتخبة في النهاية ربما تكون أكبر مع سيطرة الجيش على الحكم بدلاً من مرسي و «الإخوان»، لكن ينبغي الاعتراف بالاحتمالية الحقيقية لهذا الأمر - وهي أرجحية منخفضة جداً. ولكي نقيِّم فرص تحقيق التقدم في هذا الموضوع، علينا التدقيق عن كثب فيما إذا كانت النخبة من الوزراء المدنيين الذين وضعهم الجيش في السلطة الشهر الماضي سوف يظلون في مناصبهم ويبدؤون في ممارسة السلطة.
واستطراداً في هذه النقطة، فإن تردد أوباما في عقاب الجنرالات بتعليق المعونات هو حقاً رهان من المرجح أن يلتزموا بموجبه بالمحافظة على الشراكة الأمنية مع أمريكا والسلام الإقليمي المصاحب لها أكثر من التزام أعضاء «الإخوان» ذوي الدوافع الأيديولوجية بهذه الشراكة. وبالنسبة لرئيس دولة عظمى، الذي كثيراً ما يمجد قيم وفضائل "الحقوق العالمية" فإن ذلك أمر منهك ومتعب بشكل مؤكد. لكن يبدو أن أوباما لا يريد المخاطرة بإدارته من خلال التدخل لتغيير مجرى الأحداث الإقليمية التي تسير في الاتجاه الخطأ، كما هو الحال مع الحرب الأهلية في سوريا أو الانهيار الداخلي في العراق. وفي ضوء هذا التردد، فقد حالفه الصواب والحكمة بعدم تقليل النفوذ الأمريكي إلى حد أبعد من خلال قطع العلاقات مع الجيش المصري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق