بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 26 أغسطس 2013

مفاوضات.. لن تعيد الحقوق وتكرس الانقسام هشام منوّر


لا جديد في ملف لتفاوض الجديد بين السلطة وكيان الاحتلال سوى انها مؤطرة بحسب زعمهما بسقف زمني تنتهي بعد تسعة اشهر، وأن كل الملفات العالقة من المفترض ان تناقش في هذه المفاوضات ‘المكثفة’، رغم الخلافات الجوهرية بين ما يريده الطرفان، او على الاقل، هكذا يقال، وفشل الوسيط الأمريكي في اتخاذ أي دور جدي لإنجاحها.
ملف اللاجئين كان ولا يزال وسوف يظل الملف الأكثر تعقيداً وسخونة من بين كل الملفات، من وجهة نظري، فالقدس يمكن التوافق على منح بعض الصلاحيات للسلطة على الأماكن المقدسة فيها، وتسمية جزء خارج المدينة في ضواحيها ‘عاصمة’ للدولة الفلسطينية العتيدة. وكذلك الامر بالنسبة للحدود والمستوطنات والأمن، مع موافقة السلطة مبدئياً على مبدأ تبادل الأراضي ومنحها الموافقة العلنية لتسفير من تبقى من فلسطينيي 48 إلى خارج كيان الاحتلال بغطاء فلسطيني رسمي!
وموضوع المياه والتطبيع والعلاقة المستقبلية بين الجانبين كلها امور يمكن تجاوزها بسهولة وخلال عدة جلسات لقاء، أما ملف أكثر من ستة ملايين لاجئ منتشرين حول العالم، ومصيرهم في ظل التنازل عن حق العودة إلى بلدهم، امر لا يمكن البت فيه بسهولة ولا اتخاذ أي خطوة جدية حياله إلا بعد ضمان جملة من الشروط والطلبات المعينة.
‘أنا أعلم مدى خشيتكم (الاسرائيليين) وأريد أن اوضح جملة من الامور، أنا استطيع أن اضمن لكم عشية نهاية ناجحة للمفاوضات، والالتزام بإنهاء كل الدعاوى، ولن نطالب بالعودة الى يافا وعكا وصفد’، هذا ما صرح به رئيس السلطة ‘محمود عباس′ خلال لقاء جمعه الأسبوع الماضي بأعضاء من حزب ميريتس برام الله. وحظيت هذه التصريحات بتغطية مكثفة من القناة الثانية الاسرائيلية خلال نشرتها المسائية، حيث وصف مراسل القناة ‘أوهاد حمو’ أبو مازن ‘بالشجاع جداً’، وأوضح أنه يقصد بذلك ارسال رسالة طمأنة الى الاسرائيليين لدفع عجلة المفاوضات العالقة حتى الان.
المراسل الإسرائيلي نقل عن ابو مازن خلال لقائه ستة اعضاء من حزب ميريتس الاسرائيلي المعارض، زاروا مقر المقاطعة قوله: ‘أنا آمل أننا لا نضيع الوقت، وأنا لست متفائلاً’، مضيفاً: ‘الشرق الاوسط يشتعل وهذه هي الفرصة الوحيدة لنا، نحن نستطيع أن نتوصل الى اتفاق سلام خلال ستة شهور’. وركز المراسل على الفترة التي حددها ابو مازن لإنجاز اتفاق سلام، وهي ستة شهور واعتبرها مهمة جداً، مشيراً الى أن ابو مازن يبدي تفاؤلاً وهو يحاول تهدئة الوضع.
لم ينس ابو مازن، الحفاظ على ما تبقى من ماء وجهه بعد هذه التصريحات ‘الصادمة’ حتى لأقرب الناس إليه ولخصومه الاسرائيليين، فوجه انتقادات للحكومة الاسرائيلية، قائلاً: ‘على كلٍ أمامنا وقت محدد ما بين ستة الى تسعة شهور، أنا أردت أن تجري لقاءات تفاوض يومياً واقصاها كل يومين؛ لأن وقتنا محدود ولكن ‘إسرائيل’ رفضت، وأكثر من ذلك أيضاً رفضت تدخلاً أمريكياً فاعلاً في المفاوضات’. وهو ما ينفي بالتالي ما أشيع عن استياء المفاوض الفلسطيني من مماطلة الطرف الإسرائيلي ومطالبته الوسيط الامريكي بالتدخل وحضور جلسات التفاوض!
أبو مازن تلقى وعداً من رئيسة حزب ميريتس ‘زهافا غالون’ التي حضرت اللقاء بتأييد كل اتفاق يمكن التوصل اليه بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وذلك على الرغم من وجود الحزب في المعارضة الاسرائيلية، ما يعني ضعف موقفه الضعيف أصلاً في الشارع الإسرائيلي.
صحيفة معاريف الإسرائيلي ذكرت أنه من المقرر أن يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوزير الخارجية الأمريكي ‘جون كيري’ خلال زيارته التي ستستمر لثلاثة أيام للعاصمة الإيطالية روما. وتشير الصحيفة إلى أنه من المتوقع أن يصل نتنياهو إلى العاصمة الإيطالية في الثامن من شهر سبتمبر المقبل، وان ذلك اللقاء الذي يجمع نتنياهو بوزير الخارجية الأمريكي، يأتي في أعقاب خلافات حادة بين الجانبين وقعت عندما حذر كيري رئيس الوزراء الإسرائيلي في محادثات هاتفية جرت في الأسابيع الأخيرة من أن فشل المفاوضات سيؤدي إلى عزلة دولية لإسرائيل.
ونقلت الصحيفة عن أحد الصحافيين الأمريكيين قوله ‘إن جون كيري تحدث لنتنياهو في أكثر من مكالمة هاتفية من أن فشل المفاوضات مع الجانب الفلسطيني سيؤدي إلى مواجهة ‘إسرائيل’ مع حملة عالمية لأكثر من دولة، سواء عربية أو أجنبية، بهدف نزع ما وصفها بالشرعية عن الحكومة الإسرائيلية’.
وسائل الإعلام الإسرائيلي سربت أن جلسات المفاوضات بين الجانبين تواجه عدة عراقيل كان أبرزها الدور الأمريكي ومهمة المبعوث الأمريكي ‘مارتين أنديك’، كما أن الفلسطينيين طالبوا الجانب الإسرائيلي توضيح موقفها بخصوص حدود عام 1967م، إلا أن الإسرائيليين لم يردوا على الطلب.
وفي ظل التعنت الإسرائيلي المعتاد والواضح، والعودة إلى مربع تمييع الأمور وإدارة المفاوضات بدلاً من دفعها، لا يعقد المفاوض الإسرائيلي آمالاً كبيرة على مثل هذه المفاوضات التي باتت تشبه مفاوضات الإذعان في ظل انكشاف الموقف الفلسطيني وعدم تغطيته شعبياً، إذ نقلت صحيفة معاريف عن وزير التعليم والمعارف الإسرائيلي ‘شاي ميرون’ عن حزب ‘يش عتيد’ بأنه لا يؤمن بأنه سيكون هناك أي اتفاق سلام مع الفلسطينيين، سواء في زمنه أو في زمن أولاده’. وأضاف ميرون في لقاء مع الصحيفة ‘لو علمت بأنه من الممكن التوصل إلى وضع حد للصراع مع الفلسطينيين عن طريق إقامة دولتين لشعبين، بما في ذلك دفع ثمن إخلاء المستوطنات، لكنت قد دعمت ذلك، أنا أعلم ومن خلال قراءتي للتقارير التي تصلني عما هو مكتوب في الكتب المدرسية للفلسطينيين، فإنه لن يكون هناك أي مجال للتوصل إلى اتفاق سلام لا في عهدي ولا في عهد أولادي’.
الوزير الإسرائيلي لم يكتف بفضح نوايا حكومته المراوغة، بل اعترف ان أن أي اتفاق سلام مؤقت مع الفلسطينيين غير مقبول لديه أيضاً، وأنه غير مستعد لقبول وضع كالذي حدث في غوش قطيف حيث تمت التضحية بالمستوطنات في القطاع بدون أي ثمن.
تصريحات ميرون هذه، تأتي في الوقت الذي بدأ فيه زعيم حزب يش عتيد ‘يائير لبيد’ بإيلاء الموضوع السياسي اهتماماً اكبر، لا سيّما بعد استئناف محادثات السلام بين الطرفين مؤخراً، بحيث وصل به الأمر إلى اعتبار قرار بناء 1000 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية والقدس، عقبة أمام عملية السلام، لكن صقور حزبه وهو الحزب الحديث العهد والمكون من تيارات متعددة، لا يؤيدونه في هذا التوجه، ما قد يؤثر مستقبلاً على تماسكه ووحدته.
وإلى ان يقتنع المفاوض الفلسطيني بعبثية ما يقوم به وهبائه، لنا أن نسأل السيد أبو مازن، او نسائله: كيف يمكن لك تطمين خصومك في المفاوضات على أن أحداً من أبناء شعبك اللاجئ في الشتات لن يطالب بحق العودة إلى وطنه وأرض أجداده، في ظل عدم تصديق المفاوض الإسرائيلي نفسه لجدية هذه المفاوضات وما قد تؤول إليه، وتمسك غالبية الشعب الفلسطيني ما لم نقل كله، بهذا الحق الذي يعتبره مقدساً؟، ام ان موسم التوقيع على شيكات على بياض قد بدأ استغلالاً لعامل الوقت الذي لا يبدو أنه في صالح السلطة ونهجها التفاوضي؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق