بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 29 أغسطس 2013

الأطلسي يهدد .. روسيا تتفرج - امين قمورية

   


سقطت كل "الخطوط الحمر" التي حذر أصحابها من استخدام السلاح الكيميائي ومن توسيع دائرة الحرب إلى دول الجوار وإغراق المنطقة في الفوضى. الأتون المشتعل يكاد يصبح خارج السيطرة. خارج قواعد اللعبة. استخدام السلاح الكيميائي ، اذا حصل فعلا، في غوطتي دمشق ليس حدثاً عابراً. الأزمة السورية دخلت بالتأكيد بعد هذا الحدث المرعب مرحلة جديدة مختلفة. 
ومع نشر صور "الفجر الكيميائي" عاد الملف السوري الى التقدم على الملفات الأخرى بعدما كانت الأحداث في مصر قد سرقت الأضواء منه. لم يعد استخدام السلاح الكيميائي موضع شك عند الغرب . حتى الرئيس الايراني حسن روحاني عبر عن ألمه لسقوط أبرياء بسبب "عناصر كيماوية". لا يستطيع اوباما اعتبار استخدام الكيميائي حدثاً عابراً خصوصاً انه جاء بعد عام تماماً من حديثه عن "الخط الأحمر". الأمر نفسه بالنسبة الى كاميرون وهولاند وزعماء آخرين..
  ما حدث في الغوطتين منعطف خطير في مسار الازمة دفع باللاعبين الكبار والصغار نحو تغيير "قواعد اللعبة". الغرب يتصرف وكأن امر استخدام السلاح الخانق مؤكد، وراح يعد العدة للعبة اكبر واوسع واعنف. بات واضحا الآن أن الضربة العسكرية الأميركية- الاوروبية لسوريا في غضون ايام.
 سيناريو هذه الضربة بات ايضا واضحا: قصف بصواريخ كروز "توماهوك" من السفن الحربية الأميركية التي تبحر الآن في شرق المتوسط قبالة الساحل السوري، وربما أيضاً من سفن بريطانية وفرنسية ومن القواعد العسكرية البريطانية والأطلسية في كل من قبرص اليونانية وتركيا.القصف سيستهدف بالدرجة الأولى الدفاعات الجوية والمطارات العسكرية السورية، وقد يشمل أيضاً مقرات عسكرية ومدنية سورية، بما في ذلك ربما بعض القصور الرئاسية. هدف الهجوم، الذي قد لا يستمر أكثر من يومين، سيقتصر على "معاقبة" النظام السوري بعد اتهامه رسمياً في واشنطن وعواصم القرار الأوروبي الثلاث باريس ولندن وبرلين باستخدام الأسلحة الكيميائية في غوطتي دمشق، ولن يتضمن العمل تغيير النظام وقلب المعادلات العسكرية الراهنة على الأرض بشكل جذري.
 كيف ستتصرف روسيا ، الحليفة الاولى للاسد دوليا ؟ هل سترد الصاع صاعين بعدما جعلت سوريا شغلها الشاغل طيلة سنتين ونصف السنة ؟ ام ستتصرف كما تصرفت في حروب صربيا والعراق وليبيا؟ سيكون صعبا على روسيا ان تتصرف كأن شيئا لم يحصل الغرب يلوح بخيار كوسوفو او بخيارات اخرى تطغى عليها القوة. ويأتي الرد سريعا من لافروف بالتحذير من التدخل العسكري "لان ذلك لن يوقف الحرب الاهلية بل يغذيها".موسكو تلوّح مجددا باللجوء الى الفيتو لصد اي تفويض اممي لاستخدام القوة. لكن وزير خارجيتها يفاجىء اهل النظام في دمشق وحلفاءهم بأن روسيا "لا تعتزم خوض قتال مع احد" اذا ما تقررت الحرب من جانب واحد ومن دون تفويض.
هل يعني ذلك ان موسكو تخلت ايضا عن "خطوطها الحمر" واكتفت بالتحذير من مخاطر التدخل ومترتباته على استقرار الشرق الاوسط وخرائطه، عوض التصدي مباشرة له، وتاليا تركت حليفها وحيدا ليقلع شوكه الاخير بيديه؟ ام ان صفقة سياسية كبيرة باتت في طور النضج ومن شأنها ان تضع كل الاطراف المتقاتلين في سوريا وعليها على سكة الحل السياسي الذي رسمت معالمه في "جنيف - 1" خوفا من فراغ في السلطة او من بديل من النظام الحالي مجهول المعالم والشكل او متطرف بدأ سلوك جماعاته يقلق الاقليم برمته؟ وهل كان اللقاء المثير للتكهنات للامير بندر والرئيس بوتين، ومن ثم الزيارة اللافتة والنادرة للسلطان قابوس لطهران، من ممهدات هذه الصفقة؟ ام ان روسيا تخلت عن تحفظها عن "دولة الاقليات" في جزء من سوريا بعدما عبر قيصر الكرملين عن تخوفه من قيامها؟
لاشيء ينبئ بالتحضير لتدخل عسكري بري في سوريا على الطريقة العراقية، بل لضغوط شديدة من كل الانواع على النظام بما في ذلك ضغوط الاصدقاء والحلفاء. وهدفها هو الاخلال بكفة الموازين العسكرية لمصلحة المعارضة املا بجر بالنظام الى طاولة المفاوضات وارغامه على الاذعان لما كان يرفضه على الدوام، وخصوصا قبول مبدأ مشاركة معارضيه في السلطة والصلاحيات الامنية والعسكرية وصولا الى تنحي رأسه بانتخابات ديمقراطية او بالقوة .
 وعلى الارجح فان روسيا ستنحى جانباً لتراقب، فبالنسبة الى الروس فان ما حدث من قبل في العراق يثبت نظريتهم  القائلة بمساوئ التدخل العسكري على الأراضي الأخرى، فالأميركيون لم يخرجوا منتصرين من العراق، وفي سوريا سيكون الوضع هو هو. ولا شك في أن روسيا بحيادها، إذا ما اعتمدت الحياد، ستكون خاسرة على مستويات عدة في المنطقة لأنها ستكون قد تركت آخر مواقعها وثمن العودة ليس بالبخس.
سوريا محط الأنظار اليوم أكثر من أي وقت مضى فهي التي ستكون ربما نقطة التحول الجذري في المنطقة ككل بل وفي العالم. وهي ما قبل مجزرة "الفجر الكيميائي" المفترضة شيء، وما بعدها شيء آخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق