بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 27 أغسطس 2013

تأملات في المشهد المصري محمد شومان




المشهد المصري معقد ومرتبك، والانقسام الثقافي والسياسي والإعلامي يحدد مواقف كل الأطراف، ويدفعها نحو ممارسات متصاعدة للعنف والكراهية وإقصاء الآخر، من دون إدراك حقيقي لمخاطر الانزلاق إلى فوضى وصراع طويل يستنزف كل الأطراف بما فيها الجيش، ويقلص فرص التحول الديموقراطي واستعادة مصر أمنها الداخلي ووحدتها الوطنية وعافيتها السياسية والاقتصادية.

مشهد مضطرب حافل بالتناقضات، ضاعت فيه الأصوات الداعية لحقن الدماء والحوار بين الحكم الجديد و»الإخوان»، رغم أن كل الأطراف تدعي الرغبة في التهدئة والعمل من اجل المصالحة الوطنية، وارتفعت في المقابل الأصوات المتشددة داخل كل معسكر، والتي ترغب في نفي الآخر، وتنتج خطابات فاشية تعتمد أكاذيب وسرديات بالغة السطحية والغرابة، ما يضاعف من مشاكل القبول بالحوار والتوصل إلى صيغ للعيش المشترك. في هذا السياق يمكن إبداء الملاحظات التالية التي اتعشم أن يشاركني القارئ التفكير فيها:
1- سقوط كثير من القيم الإنسانية والوطنية والتي يفترض أن ترشد الصراع السياسي، ما أدى إلى تراجع صدقية كل الأطراف، حيث اتخذت النخب السياسية والإعلامية ورجال الأعمال مواقف متناقضة، اعتمدت على معايير مزدوجة، واجتهدت في استغلال المشاعر الدينية والوطنية في الشارع المصري، والاتجار بدماء القتلى والمصابين وصورهم. والأمثلة والشواهد كثيرة .. فأنصار مرسي نظموا تظاهرات واعتصامات كثيرة، ونددوا بعنف الشرطة، وطالبوا بمحاكمة الفريق أول عبد الفتاح السيسي لتقصيره في حماية المتظاهرين، بينما كانوا في العام الماضي مع تعظيم دور الشرطة في حماية المنشآت العامة ومنع الاعتصامات التي تعرقل المرور. وطبعاً لم يطالبوا بمحاكمة مرسي لتقصيره في حماية المتظاهرين الذين قتل عدد منهم أمام القصر الرئاسي! في المقابل سكتت جبهة الإنقاذ عن استخدام العنف المفرط في فض الاعتصام، ولم تطالب بحماية المتظاهرين أو تلقي بالمسؤولية على الحكم الجديد، كما كانت تفعل أيام مرسي!
2- إن حسابات الحكم الجديد (تحالف الجيش والأحزاب المدنية وشباب الثورة والفلول) و»الإخوان» لم تكن صحيحة في ما يتعلق بالتشدد في التفاوض، ومحاولة كل منها إرغام الآخر على القبول بأهدافه، وكذلك في توقيت الصدام العنيف بينها وظروفه ونتائجه، علاوة على ردود الأفعال العربية والدولية. ويمكن القول إن حسابات الصدام بين الطرفين كانت كارثية، فالشرطة استخدمت عنفاً مبالغاً فيه، وفشلت في توقع ردود أفعال «الإخوان» وحلفائهم - بخاصة في سيناء - والتي جاءت غير متناسبة مع ادعاءات سلمية الاعتصام والتظاهر، وتورطت في أعمال عنف وإرهاب، ذات نزعة طائفية ضد المسيحيين وكنائسهم. واعتقد أن عنف ردود الأفعال الإخوانية قد ضاعف من الدعم الشعبي للدولة ضد «الإخوان»، كما بدد من تأثير وصدقية المظلومية التي كان قادة «الإخوان» يهدفون إليها، ويروجون لها .
3- تعاني جبهة الحكم الجديد من تناقضات عديدة تدور حول: أخطاء فض اعتصام «الإخوان» وملاحقتهم أمنياً، انسحاب البرادعي وبعض أنصاره، الفشل في توقع ردود الأفعال الخارجية، الاستهانة بقوة «الإخوان» وحلفائهم، فشل الخطة الأمنية في حماية الكنائس، تضخم دور الجيش، بطء أداء الحكومة في تحقيق العدالة الاجتماعية، الخوف من عودة الدولة البوليسية، عودة الفلول، إجراءات تطبيق خريطة الطريق التي أعلنها السيسي وأبرزها تعديل الدستور، وقانون الانتخابات وهل سيكون بالقائمة أم بالدوائر، والأخيرة تصب في مصلحة الفلول و»الإخوان»، بينما تفيد الانتخابات على أساس القائمة القوى الثورية وتدعم الحياة الحزبية.
وبغض النظر عن تفاصيل التناقضات السابقة ومواقف أطراف جبهة الحكم، إلا أنني أخشى من انهيار العملية السياسية في حالتين الأولى: نشوب صراع بين القوى والأحزاب المنتمية لثورة 25 يناير، و»فلول» دولة مبارك، وهو ما سيصب في مصلحة «الإخوان» والأحزاب الإسلاموية، سياسياً وانتخابياً. والثانية: خروج بعض الجماعات الثورية والشبابية من جبهة الحكم، وتحولها إلى المعارضة، وربما تعاونها مع «الإخوان» تحت دعوى حماية ثورة 25 يناير ومقاومة عودة مبارك و»الفلول»، وبالرغم من غرابة هذا السيناريو إلا أنه قابل للتحقق في ظل سيولة واضطراب المشهد السياسي، وزيادة حضور الدولة البوليسية ونجاح «الإخوان» في التوقف عن العنف.
4- فشل مخطط «الإخوان» لإسقاط الحكم الجديد من خلال الحشد والتظاهر الجماهيري الممزوج باستخدام العنف ضد مؤسسات الدولة، ما أدى إلى ظهور خلافات داخلية حول أخطاء «الإخوان» في الحكم، فتحت الباب أمام سيناريوات عديدة للمراجعة الفكرية والسياسية، والخروج على القيادة الحالية التي أثبتت فشلها. في هذا السياق هناك بوادر لانشقاقات عديدة، بخاصة في صفوف الشباب، وهناك أصوات من داخل الجماعة تدعو لوقف العنف والتظاهر وتسعى إلى مصالحة مع الحكم الجديد وحجز مكان في خريطة المستقبل تتيح لـ «الإخوان» تحسين صورتهم وخوض الانتخابات القادمة. في المقابل هناك من يدعو إلى العودة للاحتجاج السلمي ونبذ العنف، والاستمرار في المطالبة بعودة مرسي والدستور! ويبدو أن هذا الاتجاه قد عبر عن نفسه في تظاهرات الأسبوع الماضي التي كانت محدودة وقاصرة على عضوية الجماعة والمتعاطفين معها، وهم في كل الأحوال أقلية محدودة، لذلك لا يمكن لـ «الإخوان» - الأعضاء والمتعاطفين - خلق كتلة جماهيرية سلمية ضاغطة أو مؤثرة في الأحداث، فقد خسروا تعاطف أغلبية المجتمع. أخيراً هناك سيناريو الفوضى داخل الجماعة، نتيجة القبض على القيادات وبالتالي غياب السيطرة والتوجيه، وظهور احتمالات لانخراط بعض الأعضاء في عمليات عنف انتقامية ستعجل بلا شك في إقدام الدولة على حل الجماعة ومواصلة الحل الأمني الإقصائي.
5- إن عنف الدولة و»الإخوان» لن يضع نهاية قريبة للصراع بين الطرفين، وإنما فتح باباً واسعاً وخطيراً لدورات من العنف والثأر التي لا يمكن توقع حدود انتشارها ونتائجها، وبالرغم من أن الدولة قادرة على كسب المعركة ضد العنف والإرهاب إلا أن التكلفة الأخلاقية والسياسية والاقتصادية ستكون هائلة، كما أن اعتماد الحلول الأمنية لن يحسم الحرب، إلا إذا ترافقت مع خطوتين، الأولى: إجراءات سريعة لتحقيق العدالة الاجتماعية، والثانية: مصالحة وطنية، من المفيد أن يقوم بها طرف ثالث نزيه، يجتهد في التقريب بين المواقف ويضمن تنفيذ بنود المصالحة. وتهدف الأولى إلى توسع القاعدة الاجتماعية للحكم الجديد في مواجهة «الإخوان»، لكن الأرجح أن تركيبة الحكم الجديد وصعوبة الأوضاع الاقتصادية لا تسمحان بذلك. وتحقق المصالحة الوطنية الاستقرار المنشود من خلال إبداء الطرفين قدراً من المرونة، ووقف العنف والملاحقات الأمنية ومشاركة «الإخوان» في النظام السياسي، وتصدي الدولة بحزم لمحاولات الانتقام من «الإخوان» واجتثاثهم من الحياة السياسية، لأن استمرار وتنامي نزعة الكراهية لهم وشيطنتهم تضاعف من مشكلات تقبلهم في المجتمع والنظام السياسي، والمفارقة أن الدولة التي أطلقت - أو على الأقل باركت - هذه الحملات ستجد نفسها في مواجهة نتائج تلك الحملات إذا قررت استيعاب «الإخوان» والتوصل معهم إلى مصالحة.
6- أظن أن خطاب المصالحة الوطنية يفتقر إلى الرؤية والرغبة والقدرة لدى الطرفين، وبالتالي سيظل بلا معنى، حيث لم يقدم الطرفان - حتى الآن - تنازلات متبادلة ولم يؤكدا رغبتهما في العيش المشترك بدلاً من السعي لإقصاء ونفي الآخر من المعادلة السياسية. غير أن المسؤولية الأكبر تقع على الحكم الذي يجب عليه طرح تصورات محددة لطبيعة دور «الإخوان» وحزب الجماعة في المرحلة القادمة، والعلاقة بين السياسي والدعوي، وكيفية منع استخدام المساجد والكنائس في العمل السياسي. وهل سيتم حل الجماعة كما يطالب البعض أم ستبقى بعد إخضاعها للرقابة الحكومية كغيرها من الجمعيات الأهلية؟ وهل سيطلب منها ومن حزبها إحداث تغييرات في الأفكار والبرامج والهيكل التنظيمي؟
لا بد أن يحدد الحكم مواقفه من هذه الأمور ويطرحها للنقاش العام، عوضاً عن الصياغات العامة والإنشائية التي أطلقتها الحكومة مؤخراً، ولا بد للحكم أن يجيب عن سؤال بالغ الأهمية خاص بتطبيق هذه الاشتراطات العامة على بقية الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية وفي مقدمتها حزب «النور» السلفي، أم أنها ستطبق على «الإخوان» فقط نتيجة تورطهم في أعمال عنف وإرهاب؟
7- أهمية قيام تيار ثالث من شخصيات وهيئات لم تتورط في الصراع، علاوة على بعض شباب الثورة، للبحث عن صيغة مناسبة للمصالحة، تقوم على إيقاف العنف وحملات تشويه وشيطنة الآخر في الإعلام، ووقف الحملات الأمنية والدخول في إجراءات للعدالة الانتقالية، والإقرار بحق «الإخوان» والأحزاب الإسلاموية في المشاركة في النظام السياسي، من دون السماح لها بالحديث باسم الإسلام والخلط بين الدين والسياسة واستغلال مشاعر وتدين البسطاء. والمشكلة هنا أن هذه الصيغة تحرم الأحزاب الإسلاموية من اهم مصادر قوتها وتأثيرها في الشارع، وبالتالي لا بد من بذل جهود كبيرة لإقناعها بشكل طوعي وتشجيعها على المشاركة في خريطة المستقبل التي طرحها السيسي، لأن استبعاد أو عدم مشاركة الأحزاب الإسلاموية يعني مباشرة فشل المرحلة الانتقالية الثانية، وإنتاج نظام سياسي يعتمد على القوى المدنية ويهمش ويستبعد القوى الإسلاموية. أي إنتاج الوجه الآخر لنظام الرئيس محمد مرسي الذي استبعد القوى المدنية واعتمد على «الإخوان» والقوى الإسلاموية.


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق