بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 31 أغسطس 2013

تنجيم سياسي إبراهيم العريس

يصعب على المرء فهم الدوافع التي تحدو بقناة تلفزيونية لبنانية اتّسم تاريخها بقسط لا بأس به من الجدية، الى ان تحوّل السياسة الى نوع من التدجيل، مستبدلة التحليل المفترض بالتنجيم، والمفكرين الذين يفترض بها استضافتهم كي يجيبوا عن الأسئلة الحائرة التي تتأرجح في أذهان المواطنين، ببعض الذين يمتهنون اغرب انواع التكهن والعرافة في زمن يفترض بالعقل ان يكون رائده، وبالإيمان بالمنطق ان يكون شعاره.
نقول هذا وأمامنا صورة تلك السيدة التي يؤتى بها مرة في الشهر طوال العام، ثم مرات ومرات عند أواخر العام - كما يؤتى بعشرات من طينتها -، كي تحاول ان تقنع الناس بأنها تعرف ما الذي سيحدث في الأيام والأسابيع والشهور المقبلة...
ولو كان الأمر يتوقف هنا عند استضافة هذه السيدة لكان أمرها مجرد عبور تلفزيوني مسلٍ يمكن وضعه في خانة واحدة مع التهريج المستشري على شاشاتنا واصلاً أحياناً الى حدود العهر الإباحي. لكن المشكلة مع هذه المنجّمة «التلفزيونية» وأمثالها، ليست فقط ان الجمهور العريض بات يصدق ما تقوله، حتى وإن ثبت له يقيناً انها لا هي ولا العشرات من أمثالها اثبتوا ولو مرة واحدة وبوضوح ان اي شيء مما تكهنوا به وقع حقاً، وربما ثمة بين أفراده من يبني جزءاً من حياته ومشاريعه انطلاقاً مما يقولون، بل إن ثمة في عالم الطبقة السياسية من يصدقهم حقاً وربما يبني سياساته على اساس ما «كان قد انكشف أمام أعينهم من أحداث المستقبل وتطوراته»... ويقيناً ان هذا الدخول الأرعن للطبقة السياسية على خط خزعبلات المنجمين لا يبشر بالخير، بل هو يجعل من العته مأساة عامة تطاول الذهنيات. وهذا إن لم نذهب في المغالاة الى ما بات يذهب اليه البعض على ضوء نشاط هذا النوع «الخطير» من المنجمين، من انهم انما يُستخدَمون في بعض الأحيان – ويقول البعض «في معظم الأحيان» – من جانب اجهزة ومؤسسات تستفيد من حضورهم التلفزيوني و «تنبؤاتهم» كي تقترف ضربة من هنا وتسبب كارثة من هناك.

طبعاً لن نتفق هنا مع اصحاب هذا التفسير، لكننا، وفي الوقت نفسه، سنضم أصواتنا الى تلك الأصوات القليلة التي لا تزال، في عالم المجانين الذي نعيش فيه الآن وفي زمن المعتوهين الذي يتخبط فيه العقل والمنطق باحثين عن زاوية يمكنهما، بعد، ان يتحركا فيها، نضم اصواتنا اليها لنطالب بوقف هذه «المسخرة» ووضع نهاية للعبث بعقول الناس وطمأنينتهم من جانب كل هؤلاء الذين لا عمل لهم إلا اعتلاء الشاشات للزعم انهم يعرفون عن المستقبل ما لا تعرفه عادة إلا السموات وأهلها. وبالطبع لن نكون نحن اول ولا آخر من يقول عنهم انهم يكذبون يكذبون ويكذبون حتى ولو صدقوا... فكيف وهم لا يصدقون ابداً
؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق