بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 30 أغسطس 2013

الاسد.. طبيب عيون قصير النظر -غي بخور يديعوت



يحدث الآن مع بشار الاسد ما حدث مع صدام حسين الذي فسر الرسائل الامريكية في تموز/يوليو 1990 تفسيرا غير صحيح. يبدو أنه يصعب على الطُغاة أن يلاحظوا مصادر القوة والضعف في الديمقراطيات. بعد لقاء صدام حسين مع سفيرة الولايات المتحدة في بغداد أبريل غاسبي، اعتقد أن الولايات المتحدة لن تتدخل اذا غزا الكويت. وما كان أشد دهشته حينما بدأت حربا عليه. وبعد ذلك بسنوات اعترف صدام في التحقيق معه بأنه لو عرف أن الولايات المتحدة كانت تعارض ذلك لما غزا.
وهذا ما حصل مع الاسد ايضا، فحينما رأى أن الولايات المتحدة لا تتدخل بعد أكثر من 100 ألف قتيل في بلده، وبعد أن استعمل السلاح الكيميائي مرتين، وأنها لا تتدخل في ما يجري في مصر، حيث قتل النظام العسكري نحوا من 1500 مواطن، استنتج بشار أنهم قد وافقوا له على أن يوسع استعمال السلاح الكيميائي. إن الامر من وجهة نظر النظام في دمشق، ولا سيما أبناء الأقليات هناك، أمر حياة أو موت. ولهذا فان جميع الوسائل حلال، وستكون حلالا في المستقبل ايضا لأنهم ان لم يقضوا على أعدائهم فسيقضي هؤلاء عليهم، ولن تساعد هنا فرقعات لسان جون كيري أو اصدقائه في الغرب تأنيبا ووعظا.
ما كان أشد دهشة بشار حينما جعل الامريكيون والغرب استعمال السلاح الكيميائي في هذه المرة مسدسا مدخنا، وكان سبب ذلك رؤيته، فلم يرَ الغرب الاصابات الكيميائية السابقة، لكن الشبكة العنكبوتية امتلأت بالأفلام في الحالة الحاضرة.
ومع ذلك لا يرى بشار نفسه الصيغة السورية من صدام حسين، هذا الى أن الرئيس بوش الأب قد استقر رأيه في حرب الخليج الاولى على إبقاء صدام في الحكم. وكان الحديث آنذاك ايضا عن عمل بري ضخم، لكنه لم يُخطط لمثل هذا العمل في هذه المرة. ويُقدر النظام في سورية أن يتلقى ضربة، لكن لا بصورة شديدة جدا، وهم يستطيعون العيش مع ذلك، فالمسألة مسألة كلفة وفائدة. معلوم أن سورية كانت تود أن تمنع هذا الهجوم البالستي الجوي ولهذا تُرسل التهديد في كل اتجاه حتى نحو اسرائيل القوية، لكن اذا حدث هجوم فسيكون مُقدّرا. وقد مر النظام في سورية بأكثر من هذا بكثير في السنتين ونصف السنة الأخير.
ويوجد فرق آخر بين حرب الخليج الاولى وما يجري الآن: ففي ذلك الوقت، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي بوقت قصير، كانت في العالم قوة عظمى واحدة، أما اليوم فان روسيا والصين قوتان قويتان تؤيدان الاسد تأييدا شاملا، وهما نقيضتان للولايات المتحدة. 
وإن ثنائية القوة العظمى هذه هي نوع من الرادع عن هياج دولي كبير جدا في سورية. ألا يُعذب بوتين نفسه الى اليوم لأنه لم يقف حارسا حينما أسقط اعضاء حلف شمال الاطلسي والغرب معمر القذافي؟
هل تحقق سورية تهديداتها بالهجوم على اسرائيل ردا على الهجوم الامريكي؟ يقول المنطق إن بشار لن يريد أن يجر اسرائيل الى المعركة العسكرية عليه لأنه يُضعف نفسه بذلك. فاسرائيل ستهاجم وبقوة وهو معني بانهاء المواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة بأسرع وقت ممكن وألا يوسعها. 
وهذه مسألة كلفة وفائدة مرة اخرى، لكن المنطق ليس وحده الذي يعمل في الشرق الاوسط الذي يصبح أخطر من يوم الى آخر، فالانتقام والكراهية وتصفية الحسابات والكرامة الضائعة والمخاوف والكثير من الغرائز القاتمة كل ذلك جزء لا ينفصل عن المعركة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق