بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 26 أغسطس 2013

ديمقراطية الربيع العربي -إياد مهدي عباس



تكمن مشكلة الربيع العربي في نقطة مهمة وهي ان التحول الديمقراطي لم يأت وفق سياقاته المنطقية الصحيحة وان بعض من مارس الديمقراطية لم يكن مستوعبا لمفاهيمها ولا مؤمنا بمخرجاتها فليس هناك في الديمقراطية الحقيقية فرصة لسيطرة فئة فكرية او اجتماعية على الأخرى كما فعلت الأحزاب المتطرفة في مصر وتونس فالديمقراطية ليست حكرا على طرف سياسي او اجتماعي او ديني معين فالجميع لابد ان يكونوا شركاء في الديمقراطية , الأحزاب , المنظمات المدنية ,وجميع شرائح المجتمع فالديمقراطية الحقيقية تتعارض مع سياسة التسقيط وإلغاء الآخر والاستعلاء الاجتماعي والسياسي والديني وجميع أشكال الاقصاء .
ما حدث ويحدث في ربيع العرب لا سيما في مصر وتونس هو محاولات تدمير الشريك الآخر في العملية الديمقراطية وتصفيته للاستحواذ على السلطة والنفوذ بعيدا عن ممارسة وتكريس المفاهيم الديمقراطية كتوسيع المشاركة السياسية وتكافؤ الفرص وإطلاق الحريات والتسامح والتعايش، الأمر الذي انتهى بنا الى مشاهد العنف المتبادل والكراهية المتبادلة وإرهاب وتدمير متبادل لجميع المشاركين في ديمقراطية الربيع العربي .
ويمكننا ان نقول بأن البلاد العربية لم تمر في فوضى وفي خراب مثل الذي تمر به الآن من دمار وتخريب وعبث ، فمصر التي شهدت ثورتين في غضون السنتين الماضيتين تواجه موجة فوضى غير مسبوقة لأن الإخوان ومن يؤيدهم يخاطرون بأمن واستقرار مصر مقابل استعادة السلطة والتمسك بها، ومن جهة أخرى يرى الجيش المصري أنها انحاز للشعب وحصلت على التفويض وتدخل من أجل مصر التي أصبحت وبفضل سياسة الإخوان تعيش مرحلة تاريخية متردية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا .
مصر ليست وحدها من تعاني الفوضى والعنف وتشويه المفاهيم الديمقراطية ففي ليبيا أيضا أصبح العنف سمة بارزة للمشهد الديمقراطي الجديد وتحولت ليبيا الى دولة تعيش تحت وطأة المليشيات المسلحة ، وبسهولة كبيرة تستطيع أحدى المليشيات المسلحة أن تحاصر وزارة وتشل عملها ، كما ان حالات الاغتيالات العديدة للكثير من النشطاء السياسيين تتم أمام منازلهم وتحت سمع وبصر ما يسمى بالحكومة .
أما تونس الدولة التي انطلقت منها شرارة الربيع العربي فلا تختلف عن ليبيا كثيرا فهي تغرق في بحر الفوضى والاغتيالات السياسية لقيادات الثورة الحقيقيين من الكوادر الوطنية إضافة الى قتل ثمانية جنود تونسيين برصاص مسلحين ، ما يجعل المجتمع التونسي يعاني من التفرق والتشرذم ما قد ينبئ بمستقبل سيئ للدولة التونسية وللشعب التونسي وتكرار السيناريو المصري .
ما نريد ان نقوله هنا ان الديمقراطية التي نجحت في دول عديدة إنما نجحت بعد ان استوعب والمجتمع في تلك الدول مفاهيم الديمقراطية بشكل تدريجي وبعد ان عملت الدول على بناء الإنسان الديمقراطي وهكذا جاءت الديمقراطية على مستوى الدولة كنتيجة طبيعية كتحصيل حاصل للتغيرات الايجابية في المجتمع وبعد إعلاء ثقافة التعايش وقبول الآخر بين أفراد المجتمع فانعكس ذلك على الديمقراطية في الدولة .
ما حصل في الربيع العربي هو ان الديمقراطية بدأت بغياب الإنسان الديمقراطي وبغياب مفاهيم الديمقراطية المهمة في المجتمعات العربية التي تسودها ثقافة الإقصاء وإلغاء الآخر وصولا الى تكفيره واستباحة دمه, ومن هنا لا يمكننا تطبيق الديمقراطية الحقيقية على مستوى الدولة دون بناء الإنسان بصورة سليمة وفق المفاهيم الديمقراطية والإنسانية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق