بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 28 أغسطس 2013

ما حدث في مصر هل كان ممكن التجنب؟ إبراهيم غرايبة




بعيداً من تأييد الانقلاب العسكري الذي جرى في مصر او معارضته وتأييد «الإخوان» أو معارضتهم، ثمة فكرة حزينة تفرض نفسها، إذ يبدو مؤكداً أن قادة الجيش وحلفاءهم السياسيين وفي الدولة العميقة كانوا قادرين على إجبار مرسي على الاستقالة أو الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة من غير انقلاب عسكري، فالجيش قوة سياسية وأمنية واقتصادية وشعبية واجتماعية هائلة ومؤثرة في مصر أقوى من رئيس الجمهورية، أي رئيس جمهورية، فضلاً عن أن مرسي كان شبه معزول، ومؤكد أيضاً أنه كان ممكناً بعد الانقلاب إدارة الدولة والسيطرة الأمنية على الأوضاع من غير فض الاعتصام، وكان ممكناً أن يستمر الاعتصام سلمياً من دون أن يؤثر جوهرياً في مسار الإدارة السياسية والأمنية أو يعوقها، وكان ممكناً أيضاً إنهاء الاعتصام أو خنقه بوسائل ناعمة من غير عنف وإراقة دماء، وفي حالات القتل وإطلاق النار فقد كان ممكناً تجنب قتل النساء، ولكن لماذا كان اختيار السيناريو الأكثر عنفاً وعجرفة ووحشية؟
لماذا كان اللجوء إلى الانقلاب العسكري ثم لماذا فض الاعتصام بالقوة المفرطة، ولماذا جرى قتل نساء وطفلات على نحو لا يختلف عن الإعدام. فعلى سبيل المثال فقد أصيبت حبيبة أحمد عبدالعزيز برصاصة في القلب، وقتلت أسماء محمد البلتاجي أيضاً على نحو مقصود، وكان واضحاً أيضاً أنه يجري اختيار واعٍ مسبق للأهداف المحددة بالقنص، وهذا أسوأ ما يمكن التفكير به، الاعتقاد بأنه جرى قتل فتيات وشباب بهدف إيذاء وإيلام والديهم وذويهم!
وتنشر أخبار كثيرة عن مذابح وتصفيات بالغة الوحشية والقسوة من غير حاجة لذلك على نحو يشجع على الاستنتاج بأنه يجري افتعال أزمة سياسية وأمنية كبرى، وأن البلاد تدفع عمداً وبوعي مسبق إلى العنف وإلى حمام دموي!
يبدو المشهد الآن في بدايته ولكن يمكن التنبؤ بعد المذبحة التي وقعت للمعتقلين، والرد عليها فوراً بقتل 24 شرطياً أنه يمضي للتشكل في متاهة، وإن كنا نتساءل من انتصر على من؟ فإننا نتساءل اليوم من يقتل من؟
ربما يكون صحيحاً القول إن اتجاه «الإخوان» بعامة ليس عنفياً، ولكن ربما يكون صحيحاً أيضاً أن ثمة تخطيطاً واعياً لاستدراج «الإخوان» إلى العنف، وربما تبعث الجماعات العنفية من جديد، فما حدث في الجزائر ثم في سورية قابل للحدوث والتكرار في مصر، وقد شهدت مصر بالفعل موجة طويلة وغامضة من أعمال العنف والتفجير.
هل ثمة رغبة واعية بالعنف لدى مراكز قوى وتأثير في مصر؟ وهل تلاقي هذه الرغبة مزاجاً واستجابة لدى جماعات إسلامية إن لم يستجب لها «الإخوان» أو مجموعات خارجة عن «الإخوان»؟ يبدو ذلك احتمالاً واقعياً ومجرباً، وربما تكون الأزمة الجديدة ملائمة لتيارات ومجموعات في «الإخوان المسلمين»، وقد يحدث تواطؤ لا شعوري بين النفوذ السياسي والأمني الجديد وبين اتجاهات «اخوانية»، ويجمع بين الخصمين ملاءمة الأزمة لهما، وأنها (الأزمة) تشكل مهرباً من استحقاقات الإصلاح وفرصة للتهرب من الالتزامات الديموقراطية، فقد أثبت «الإخوان» أن ليس لديهم سوى الاحتفالات والمهرجانات، وأنهم يتقنون المطالبة أكثر من الاضطلاع بالمسؤولية، وأثبتت الأنظمة السياسية أنها تفضل الأزمات والطوارئ. وما بين «الأخونة» و «العسكرة» تضيع على البلاد والمجتمعات فرص السعي إلى العدالة والحياة الكريمة.
ويجب القول أيضاً إن المجتمعات والطبقات الوسطى تتحمل مسؤولية في صنع المشهد المأسوي (المرجو ألا يأتي)، وذلك بسبب سلوكها السياسي والثقافي السلبي، فقد أضاعت المبادرة واللحظة التاريخية التي تشكلت في بعد 25 يناير لبناء عقد سياسي واجتماعي جديد، بدلاً من الهروب من الرمضاء إلى النار!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق