بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 29 أغسطس 2013

«سيناريوهات» حلفاء دمشق.. بعد الهجوم المتوقع -كلير شكر


تتراكم المؤشرات الإعلامية والسياسية والدعائية عن ضربة عسكرية أميركية لسوريا، وتنتظر تحديد ساعة الصفر من جانب البيت الأبيض، الذي قرر في لحظة إعادة تموضع في حساباته الخارجية، أن يقول كلمته في الشأن السوري.. بقوة النار.
إذاً بعد أكثر من سنتين ونصف سنة على بدء الأزمة السورية، قررت الإدارة الأميركية أن تتدخل عسكرياً، ولو عن بُعد، «تأديباً» للنظام السوري تحت عنوان استخدام الأسلحة الكيماوية، وعلى مرأى من حلفاء بشار الأسد الذي قد لا يجد أمامه سوى خيار الدفاع عن نفسه، وانتظار انقشاع الرؤية بعد عاصفة الغبار التي ستثيرها الضربة.
فالأساطيل الأميركية التي تجوب المحيطات والبحار، ليست أبداً شرطياً دولياً أخذ على عاتقه مهمة الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، كما تدّعي إدارتها، ولكن ثمة مصالح سياسية واقتصادية تقود هذه المقاتلات إلى حيث يعتقد سيد البيت الأبيض، وما يحيط به من مراكز قوة، أنّ استراتيجيته تفرض عليه بسط السلطة بقوة السلاح العابر للأجواء الدولية. تماماً كما حصل قبل الغزو العراقي بحجج ثبت لاحقاً زورها.
وعليه، ثمة حسابات جديدة فرضت هذا التحوّل في السياسة الأميركية التي قد تقفز من مربّع التردد الذي كانت تُعيّر به من جانب حلفائها الأوروبيين والخليجيين كما من السوريين المعارضين، إلى ملعب الشراكة الحديدية بقوة «التوماهوك». وترتكز هذه الحسابات على ثلاثة عوامل أساسية، وفق مطلعين على الموقف الأميركي: 
- أولاً، رغبة البيت الأبيض بتعديل موازين القوى العسكرية على الأرض بعدما نجح الجيش النظامي في تحقيق سلسلة انتصارات، كانت «القصير» أولى حلقاتها، قبل إقناع كل الأطراف السورية بالتوجه إلى طاولة حوار دولية يفترض أن تستضيفها جنيف للمرة الثانية، بعد أن تكون المعارضات السورية قد حسّنت موقعها ميدانياً.
- ثانياً، مصالح حلفاء البيت الأبيض هي التي قد تملي عليه الانتقال في استراتيجيته إلى مرتبة الضربة الصاروخية، نظراً للأضرار التي قد ترتدّ على الداخل السعودي أو التركي على سبيل المثال، إذا استمر تقدّم الجيش السوري على الأرض، وتالياً فشل اندفاعة الدول المتحمّسة للتغيير السوري.
- ثالثاً، الهيبة الأميركية التي تزيدها الضربة الصاروخية ثقة بالنفس، في القدرة على فرض سلطتها في الوقت الذي تراه مناسباً وفي البقعة التي تراها مناسبة.
في المقابل، يتطلّع العالم إلى ردّة فعل حلفاء «النظام البعثي»، التي تفاوتت بين برودة روسية مفاجئة عبّر عنها وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي قال صراحة إنّ بلاده لن تدخل حرباً عسكرية لأجل سوريا، و«انتفاضة» إيرانية متوقعة حيث حذّرت طهران من عواقب وخيمة قد تصيب المنطقة جرّاء الضربة.. ما بدا كأنه تمايز واضح بين الحليفين اللذين لا يزالان حتى اللحظة يشكلان «غطاء» دولياً حامياً للنظام السوري، سياسياً وعسكرياً.
وعليه، فإنّ السيناريوهات المرتقبة لسلوك موسكو وطهران، كما يراها متابعون، إذا صدقت التهديدات الأميركية، وصبّت مدمرات «العم سام» نيران صواريخها فوق منشآت عسكرية سورية، على الشكل الآتي:
- لم يحتج موقف القطب الشرقي من الخريطة الدولية للكثير من التحليل بعدما نفض «الدب الروسي» يديه من أي تدخل عسكري مضاد للتدخل الأميركي، ذلك لأنّ موسكو ليست في وارد إشعال حرب عالمية حفاظاً على الورقة السورية، لا سيما أنّ واشنطن تدرك جيداً محدودية الترسانة الروسية في استخدام القوة في هذه البقعة من العالم. 
وإذا كانت موسكو لا تزال حتى اللحظة متمسكة ببقاء بشار الأسد في كرسيه، فهذا لا يعني أبداً أنّها غير مستفيدة من «العقاب الصاروخي» الذي قد يتعرض له، وفق المطلعين، الذين يعتبرون أنّ الخيط الرفيع الذي هو بمثابة تمايز خفيّ بين بلاد الصقيع وبلاد حياكة السجاد، قد يعبّر عن تقاطع موضعي بين موسكو وواشنطن حول مسألة إضعاف بشار الأسد من دون إطاحته، لحمله إلى «جنيف 2» وفق شروط «القطبيْن»، لا سيما أنّ الرئيس السوري أقرب إلى العاصمة الإيرانية من العاصمة الروسية.
وبالتالي إنّ هذه الضربة، كما يعتقد المطلعون، قد تساهم في تليين الموقف السوري من المشاركة في مفاوضات الطاولة المستديرة. ولهذا يعتقد هؤلاء أنّ «غضّ النظر الروسي» قد يكون أشبه باستدراج لخصوم الأسد، إلى مائدة المشاورات الدولية، كي تقول موسكو هناك كلمتها، مع العلم أنّ بورصة «جنيف 2» انخفضت بعد معركة «القصير»، لتعود اليوم وترتفع من جديد، تأكيداً لهذه القراءة.
- أما بالنسبة للموقف الإيراني الرافض كلياً للحملة الأميركية، فيرى المطلعون أنّ أمام طهران ردّين محتملين: إما ضرب المنشآت العسكرية الأميركية في الخليج، أو ضرب منشآت خليجية كردّ على التدخّل الصاروخي في سوريا، أو ضرب منشآت عسكرية إسرائيلية من باب تكبير حجر الأزمة. وفي كلتا الحالتين يعني حرباً إقليمية قد تستدرج مشاركة إسرائيل إلى الميدان العسكري وهي أصلاً متحمسة لتوجيه ضربات عسكرية ضدّ إيران لمنعها من بلوغ نادي الدول النووية.
وقد يكون السيناريو الأخير، على شاكلة ردّ مباشر من جانب «حزب الله» من خلال فتح جبهة الجنوب اللبناني، وسسيصبح عليه تالياً، مواجهة ثلاث جبهات: الداخل السوري، الداخلي اللبناني، والجنوب اللبناني.
انطلاقاً من هذه الحسابات المعقدة، قد يكون القرار الأميركي بالتدخل في سوريا وجد له منفذاً لتحقيقه من دون أي رادع، من دون أن يعني ذلك أنّ الإدارة الأميركية ستنجح حكماً في استثمار هذه الضربة سياسياً، لأنّ إطلاق الصواريخ شيء، وتوظيفه شيء آخر، لا سيما أنّ تجارب الحملات العسكرية للبيت الأبيض لم تأت جميعها بنهايات «هوليوودية» سعيدة، وفق أكثر من ديبلوماسي محنّك. ويكفي تعداد المحطات الأخيرة في أفغانستان والعراق وليبيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق