بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 26 أغسطس 2013

عصر الصورة -اسكندر حبش

هل أصبحت الصورة و"السبق الصحافي" المرئي، والأحاديث التلفزيونية، والنقل المباشر بحثا عن الحدث، أشياء بديلة من إنسانيتنا؟ بالأحرى، هل فعلا يرتجي عصرنا الراهن أي إنسانية، على الرغم من تشكل مئات المنظمات الإنسانية، وشنّ عشرات الحروب التي تحمل هذا المعنى الإنساني (وهذه الفكرة الأخيرة ليست سوى كارثة حقيقية)؟ ربما أصبح من نافل القول ان عصر الحداثة وما بعدها، أو لنقل العصر الراهن، لا يقيم أي وزن فعلي لهذا الكائن البشري، إذ لا نتوقف عن أن نستبدله بـ"الحدث" الذي يعنيه أكثر مما تعنيه ولو نقطة دم منسابة في الطريق. 
أقول ذلك، وفي بالي الانفجارات التي شهدها لبنان مؤخرا، (ولا أستثني جرائم الغوطة في سوريا، وغيرها مما يحدث في العالم بسره) التي إن دلت على شيء – وبعيدا عن أي اتهام سياسي ومن دون الدخول فيه – فهي تدل على أنه يجب إعادة النظر بهذا "الشرط التقني" الذي نحيا فيه والذي أصبح يحدد الإطار الذي نعيش فيه.
منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، تحدث المفكر وعالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو عن دور الفضائيات والمحطات التلفزيونية المتعاظم في حياتنا، التي أصبحت هي من يقرر اتجاهات الرأي العام، لدرجة أنه نحا مرة إلى القول إن "الحرب لم تقع" إلا على التلفزيون، وكان يقصد بذلك قدرة وسائل الإعلام المرئية، على تأليب الأفكار والأحاسيس، بمعنى أنها هي التي تسيرنا وتجعلنا نرى ما تريد هي أن نراه لا الحقيقة التي حصلت في الواقع.
الحقيقة اليوم هي أن ننتسب إلى إنسانيتنا المفقودة، أو ما تبقى منها، لا أن ننجر إلى غرائز المحطات ومن وراءها والتي لا تفعل شيئا سوى إثارة الهياج المضاعف، وكأن كل الخراب والدمار والقتلى الممزقي الأشلاء لا تعني سوى لقطة ناجحة تشكل سبقا إعلاميا. 
هذا السبق الإعلامي، يدفع بكثيرين اليوم إلى أن يستلوا مثلا هواتفهم النقالة، ليبدأوا بالتصوير مكان وقوع انفجار ما، الأهم بالنسبة إليهم أن يلتقطوا هذه اللحظة، غير عابئين بمن يتضرج بدمائه أو بمن يحتاج إلى لحظة إسعاف قد تنقذ حياته. الأنكى من ذلك كلّه، برامج الأحاديث المباشرة التي تعقب كل انفجار، إذ تبدأ المحطات (غالبيتها وليست كلها) باستقبال المسؤولين، وهم في غالبتيهم من المسعورين الذين لا يتوقفون عن الكلام، وهو كلام يشكل في الواقع بيانا لانتخابات مقبلة، من حيث قدرته على زرع الخوف والبلبلة وإثارة الغرائز الطائفية. ربما لا نطالبهم بموقف وطني جامع، بل فقط عليهم أن يفكروا في هذا الإنسان الملقى على الأرض قبل أن يبدأوا سمومهم. والأحقر فعلا هؤلاء المذيعون الذين يتيحون لهم هذا الكلام، بدلا من تسليط الضوء على ما حدث على الأرض، وبدلا من أن يقدموا يد المساعدة العاجلة. مذيعون ومقدمو برامج لا يستحقون سوى السجن ولا شيء أدنى من ذلك.
عن أي إنسانية نتحدث؟ إنه عصر الصورة الذي يقضي على كل عاطفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق