بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 27 أغسطس 2013

نعيش حربا لا وجود لها -علي سالم


قلبي يحدثني بأنه سيكون لدينا أفضل دستور في الدنيا، وبرلمان يتسم أعضاؤه جميعا بالنضج السياسي والعاطفي، وحكومة منتخبة ذات كفاءة عالية، ورئيس دولة يشعر بأنه أنجب كل المصريين.. لكن هل الوصول لذلك كله يعني نهاية متاعبنا؟
لنفرض أن الله سبحانه وتعالى أعطاك قوة قاطرة سكة حديد، وعقل أينشتاين، وشاعرية المتنبي، وإبداع دافنشي، فسيكون السؤال الذي تطرحه على نفسك ويطرحه عليك الناس هو: ماذا ستفعل بقوتك هذه؟
بعد أن ننتهي من استكمال شكل الدولة وأدواتها، إلى أين سنذهب بها؟.. ما هي بالضبط الأهداف التي نريد تحقيقها؟ وأرجوك، امتنع ولو للحظات عن التعامل مع المعاني العامة، يعني لا تقل لي العيش والحرية والكرامة الإنسانية، بل أجهد نفسك وحوّلها إلى تفاصيل عمل محدد يعمل الناس على تحقيقه. إذا لم نعرف على وجه التحديد الهدف الذي نسعى لتحقيقه فمن المؤكد أننا بعد استكمال شكل الدولة سنتفرغ جميعا لمصارعة بعضنا بعضا.
أنا أعتقد أن الحالة الذهنية السائدة على الأقل عند كل المتحدثين والكتّاب وزعماء الشارع الجدد تعود إلى مرحلة الحرب الباردة بين الكتلتين. سيكون من الصعب للغاية أن تجد شخصية عامة استطاعت الإفلات من إحساسها بأنها ما زالت تخوض حربا ضد الغرب الإمبريالي. أمسك ورقة وقلما واكتب لي أسماء هؤلاء الذين يؤمنون باقتصاد السوق. أنا أعتقد أن الشيء المقدس الوحيد على أرض الوادي هو القطاع العام، وأن واجب الدولة هو أن تستجدي العالم كله للحفاظ على هذا القطاع. نتج عن ذلك إحساس المجتمع بأن العمال في مصنع ما على حق في كل ما ينشأ بينهم وبين أصحاب المصانع من خلافات، وأن الجانب المخطئ دائما هو صاحب العمل الذي أصبح رمزا عند الكثيرين للجشع واللصوصية.
ما زلنا حتى الآن نعتز بكراهية الغرب الذي لا يكف عن محاولاته للقضاء على الاشتراكية التي لم يعد لها وجود، لا عندنا ولا عند الآخرين، وهي الكراهية الناتجة عن الإحساس بالضعف تجاهه، ليس الضعف فقط بل والدونية أيضا. مرة أخرى تعود الوثائق إلى الظهور، تلك الوثائق التي تثبت أن الغرب المجرم قد اتخذ بالفعل القرار بالقضاء علينا، وأن الغرب بكل قدراته العقلية الشريرة يرسم لأعدائنا داخل البلاد خريطة طريق يتمكنون بها من القضاء علينا. الواقع أن الغرب ليس في حاجة لإعطاء قتلة كرداسة دروسا في كيفية صنع المذابح. والغرب ليس في حاجة لتعليم جماعة الإخوان كيف يعطلون مسيرة المجتمع المصري، ولا هو في حاجة لتعليمهم كيفية القضاء على الحضارة. حتى فكرة وجود أنفاق تحت الحدود المصرية بيننا وبين رفح من المستحيل أن يفكر فيها الغرب، هي في حاجة لبشر أكثر منه شرا بكثير.
إن كل المتاعب والمشاكل التي تحدث على أرض وادي النيل من المستحيل مواجهتها إلا على أرض الوادي. وما لم تخرج جماعة من الشباب المصري لمناقشة الأفكار الثابتة في عقولنا جميعا وتفتح الباب لثورة ثقافية حقيقية في مصر، فإننا سنظل نعيش في أجواء حرب لم يعد لها وجود.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق