بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 29 أغسطس 2013

أوراق العدوان.. والحصاد المر - علي قاسم - دمشق



وسط هذا الهياج المحموم، كان من الصعب استذكار جميع الأسئلة، والأصعب التوقف عند احتمالاتها، لكن سؤالا لم يغب رغم التزاحم في طرحها،
والإلحاح على طلب الإجابة من مختلف الاتجاهات، وهو ماذا لو ثبت أن التنظيمات المسلحة الإرهابية هي من استخدم السلاح الكيميائي ؟‏
من الواضح أن الأميركيين وحلفاءهم الغربيين لم يغب ذلك عن ذهنهم من حيث المبدأ بدليل أن مهمة المحققين الدوليين تم تحييدها عن هذه المسألة، واقتصرت على تحديد هل تم استخدام السلاح الكيماوي أم لم يتم، غير أن هذا لم يكن كافيا لإغلاق الاحتمالات، خصوصاً مع تصاعد المعطيات الغربية بالتحديد، وتواتر المؤشرات الملموسة على أن تلك التنظيمات هي التي أقدمت على ذلك، وأضيفت إليها القرائن التي قدمتها سورية، وتلك التي تمتلكها روسيا مسبقا.‏
لم يكن من المستغرب بالطبع أن تُثار الزوبعة وأن تتوه وسط اشغالاتها بوصلة السياسة الغربية وتحديدا الأميركية، وأن تأخذها الارتجالية والانفعالية نحو حرق المراكب وقطع جميع الخيوط وإغلاق طرق العودة، بعد أن وصل التصعيد إلى ذروته والتسخين تجاوز الخطوط المعتادة المستخدمة في تجارة الابتزاز التي تجيدها السياسة الأميركية، وأخذت التحضيرات اللوجستية سياسياً وإعلامياً وميدانياً طوراً متقدماً وربما تجاوز بدوره ماهو معتاد، وستكون ارتدادات العودة عنه مكلفة سياسياً.‏
لكن، على الضفة الأخرى كان من المستغرب أن تقدّم واشنطن روايتها للسيناريوهات والإعداد النفسي بالتوازي مع تلك التحضيرات، فيما دبلوماسيتها تواجه مخاطر الانزلاق ذاته الذي وقعت فيه في عهد باول، بل في بعض تفاصيلها كانت أكثر تورطاً في الكذب الفاضح وبطريقة سمجة!!‏
والأغرب من ذلك أن تحشر نفسها أمام خيارات تبدو فيها خسائرها السياسية في الحالين محسومة، وكل البدائل السياسية الدبلوماسية المحتملة لا يمكن أن تخفف منها، حيث بلغ التورط السياسي والإعلامي حداً يصعب سحبه من التداول دون أن تكون هناك ارتدادات ستسجل حضورها في المستقبل السياسي للإدارة الأميركية مجتمعة، كما هي على المستوى الفردي، فيما يبدو المضي قدماً أصعب من التراجع بكثير وأشد تكلفة على المستويات المختلفة.‏
فالنتائج، لا تقتصر المعضلة فيها على أنها غير مضمونة فحسب، بل قد تفتح وابلاً من الانعكاسات الخطيرة التي تقلب الطاولة رأساً على عقب، وما كانت تمني النفس بتحقيقه، يتحول إلى كابوس ليس بمقدور الولايات المتحدة أن تستعيد زمام السيطرة عليه.‏
ورغم الفحيح الغربي المتواصل واستعراض العضلات المتزايد والأصوات المبحوحة جنوباً وشمالاً، ثمة معطيات تفرض نفسها ووقائع بعيدة كل البعد عن الزوبعة والبحث عن ذريعة أو ذرائع، فالمسألة لم تكن يوماً مرهونة بالذرائع ولا بالتبريرات، واختلاقها لم يكن صعباً، إنما بالقدرة على تنفيذ العدوان مع ضمان النتائج المتوخاة، ولو أن أميركا وحلفاءها توصلوا إلى قناعة أكيدة بتوافر هذه القدرة لما ترددوا كل هذه السنوات والأشهر، وهذه محسومة منذ زمن بعيد.‏
والسؤال ما الذي تغير وما الذي تبدل حتى تتورط أميركا إلى هذا الحد، وأن تبادر إلى حرق المراكب كما فعلت أدواتها ومرتزقتها منذ بداية الأزمة، وكيف لدولة عظمى أن تنجر إلى جملة أوهام جديدة؟‏
الإجابة ببساطة تتعلق بعاملين أساسيين يضافان إلى الحقيقة الأكيدة بفشل الإرهاب في تحقيق الأهداف الأميركية!! الأول شخصي ويرتبط بالرئيس أوباما وصورته في الداخل الأميركي التي تتعرض لهجوم متعمد من صقور الحرب الأميركيين، والتي أظهرته عاجزاً وضعيفاً وغير قادر على اتخاذ قرار فعلي، والثاني استجد مع نسخة من التقارير الاستخباراتية المتخمة بالأخطاء والحسابات المغلوطة المبنية على معطيات مقدمة من مرتزقة ومرتهنين تتحدث عن أرقام مبالغ فيها حول تحييد جزء من الإمكانات الدفاعية السورية.‏
الأخطر من ذلك أن الضغط في الداخل الأميركي يبدو في حالة صراع مرشح للاحتدام، مما يضعف القدرة الأميركية على اتخاذ الخيار وسط موجة عارمة من النفخ السياسي والإعلامي على الضفة الأخرى التي تهدد الصورة النمطية الأميركية، والتي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن ورطة الرئيس أوباما الشخصية تتفوق على سواه وتتقدم على كل المعضلات الأخرى، ويبدو أن رصيده السياسي أمام المحك وفي حالة اختبار بانتظار حصاد مر لا مفر منه.‏
وبالقدر ذاته تبدو المصداقية الأميركية هي موضع اختبار مصيري، خصوصاً مع المعطيات التي تجزم بأن فرص النجاح الأميركي في تجاوز هذا الاختبار تتضاءل على وقع تراجع واضح في تحديد ساعات الصفر، مع بروز تقارير إعلامية تتحدث عن تردد واضح سيدفع بالدبلوماسية الأميركية إلى إعادة المعابر السياسية التي أقفلتها، وهي عودة تقتضي دفع فاتورتها السياسية قبل معاينة حظوظ النجاح أو الفشل، وما يمليه ذلك من أثمان على حلفائها الآخرين، والثمن الأكبر لدى الأدوات التي جيّرت ذاتها والمرتزقة الموعودين.‏

على المقلب الآخر تبدو المعادلة مغايرة تماما، حيث السوريون الذين تابعوا هذا الضجيج وذاك الاشتعال في جبهات السياسة بالتوازي مع قرع طبول الحرب على الجبهات العسكرية، كانوا أكثر يقينا من أي وقت مضى بأن خطواتهم في الميدان وعلى كل الجبهات تتحرك نحو الأمام، وأن الموقف السياسي يتوازى في حراكه مع تزايد الثقة بالقدرة على الدفاع عن الذات والنفس، وأن صمود سنتين وقرابة ستة أشهر سيستمر وبوتيرة أعلى مما كان، لأن مافشل به الأميركيون والاسرائيليون ومرتزقتهم بالإرهاب لن يحققوه بالتهديد والوعيد، وماعجزوا عنه بالأول والثاني لن ينالوه بالعدوان، فإرادة التحدي لدى السوريين باتت أشد وضوحاً، والطريق الذي نسلكه سيقود إلى النصر الذي يقترب وتلوح مؤشراته في الأفق.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق