بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 29 أغسطس 2013

العرب وما بعد الثورات - عروبة جميل محمد

   

يمكننا أن نقول بأن العالم العربي يمر  اليوم بفترات حساسة جدا في تاريخه الحديث، والسبب في ذلك المد الثوري المتصاعد ضد الأنظمة الاستبدادية التي هيمنت على هذه البلدان لسنوات طويلة,وهذه المشاهد التي نراها اليوم أفرزت نتائج مهمة جداً في إعادة صياغة مفهوم الدولة الحديثة في منطقة ظلت تحتكم لسلطات غير شرعية وغير منتخبة من قبل الشعوب،هذه المرحلة التي امتدت من ثورة تونس  في العام 2011 وحتى عزل محمد مرسي في مصر ، لم تكن سوى فترة لتجربة مخرجات الثورات الشعبية التي فشلت الأنظمة الجديدة فيها باستيعاب المرحلة وتجاوز أخطاء الأنظمة السابقة في إعادة إنتاج الهيمنة بكل أوجهها.
لهذا كانت أبرز التحديات التي واجهت الشعوب العربية بعد العام 2010 تمثل بمصادرة ثورتها والهيمنة عليها من قبل أحزاب شكلت أفكارها حالة عودة للقرون الماضية خاصة في مصر وتونس اللتين خضعتا لحكم قوى سلفية تستمد أفكارها ورؤيتها من مبدأ (الخلافة) وتتخذ منها وسيلة وغاية في الوقت نفسه.
ولعل هذا أخطر ما واجه مسارات الديمقراطية الناشئة في بلدان المنطقة ، خاصة في ظل حالة التدهور الإقتصادي الذي نجم عن تراجع الموارد بسبب تردي الأوضاع ألأمنية وهروب الإستثمارات وهذا ما أدى لزيادة البطالة والتضخم معا .
وتردي الأوضاع الاقتصادية يعني فشل الأنظمة التي جاءت بعد مبارك وبن علي في تحقيق السبب الرئيس للثورات الشعبية ،ووجدنا بأن جماعة الإخوان في مصر وحركة النهضة في تونس قد اغفلتا هذا الجانب المهم وانشغلتا في كيفية بناء الدولة وفق مقاساتها ورغباتها ووضع دستور يتناسب  وفلسفتها في الحكم التي لا تبتعد عن الهيمنة والسيطرة المطلقة وتهميش الآخرين.
التحدي الثاني وهو تحد اجتماعي كبير يتمثل بأن الثورات وقادتها ورموزها والنخب السياسية عليها أن تعي حقيقة مهمة وهي إن أي مجتمع مهما كان لا يمكن أن يكون بثقافة واحدة وفكر واحد وأيديولوجيا واحدة مهما كان هذا النسيج الاجتماعي مترابطا،وعلى هذا الأساس فان المطلوب من النخب السياسية العربية في بلدان مثل مصر وتونس وليبيا أن تنظر للتنوع الاجتماعي والفكري على أنه إيجابي بدلاً من أن تنظر له نظرة ضيقة تفرغ هذا التنوع من محتواه الإنساني لتفرغه في خانة حسابات ضيقة من شأنها أن تشوه صورة المستقبل لدى المواطن وتزرع الخوف في داخله خاصة وإن المجتمع العربي متنوع قوميا ودينيا وفكريا.
هذه الاعتبارات أو التحديات كان من المفترض على الحكومات الجديدة أن تعيها جيداً ، وهذا يتطلب أن تمتلك حسا ستراتيجيا يؤهلها لقيادة دولها في المرحلة التي تلت زوال الأنظمة الشمولية بعيداً عن كل ما يجعل الثورات عبارة عن جثث مشوهة غير قادرة على التعبير عن نفسها والحفاظ على مصالح شعوبها،وعليها أن تدرك جيداً بأن الهدف الرئيس ليس إسقاط الأنظمة،بل الهدف الرئيس يبدأ بعد سقوط هذه الأنظمة وإن معركة البناء أكبر و أخطر من معركة هدم وإسقاط الأنظمة الدكتاتورية.
وهنا يجب أن يدرك الجميع بأن المرحلة الأهم في تاريخ الشعوب هي مرحلة ما بعد نجاح الثورات وكيفية تحقيق أهدافها بما يحقق الرفاهية والأمن والاستقرار في المجتمعات العربية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق