بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 31 أغسطس 2013

الحكم الصادر ضد دمشق - محمد الأشهب


لم يوجه مجلس العموم البريطاني رسالة خاطئة إلى سورية. لكنه أبان عن مدى احترام إرادة الناخبين، فيما النظام السوري يزيد إصراراً على إبادة شعبه الذي انتفض ضد الاستبداد. وبالقدر الذي يبدو الرأي العام الغربي متمسكاً برصد أهداف أي حرب، حرصاً منه على حياة جنوده، يقدم بشار الأسد نموذجاً سافراً في الاستخفاف بحياة شعب كامل، حوله إلى رهائن سياسته، إما قاتلاً أو مقتولاً.
عقدة الحرب على العراق لا يزال نفوذها مؤثراً. أقله البحث في دلائل قاطعة لإدانة نظام، لم يتورع عن استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، ولا يعني النقاش الواسع حول هذه المسألة، سوى أن قرار الذهاب إلى الحرب يتطلب مرجعية قانونية وأخلاقية، تخفف بعض تداعياتها المأسوية، بخاصة وأن نظام الأسد كان سباقاً في شن الحرب على المدنيين، ومثل أي دكتاتور يقايض كرسي الحكم بالدماء والجماجم، لم يبحث عن ذرائع لإعلان حرب طال أمدها. ولم تعد تقبل وقوف المجتمع الدولي في صف المتفرج الذي لا يبالي.
الرسالة البريطانية لم تخطئ العنوان. إنها دليل إضافي على أن الديموقراطية تختبر مداها في الفترات الحرجة، وأن الأيدي المطلقة لأنظمة الاستبداد تقابلها أيد مقيدة بالتزامات لا تحيد عنها. يكون محورها المصالح الإستراتيجية والحرص على حماية أرواح العسكريين، وعدم الإقدام على مغامرات غير محسوبة النتائج.
ليس في الأمر تردد، بل معاودة ترسيم دائرة الحرب القادمة، للحؤول دون زيغها عن أهدافها أو انبثاق حركات مناهضة لها في الشارع الأوروبي. ولعل الشفافية المطلوبة هي ما بات يحتم ربط قرار الحرب بمبررات موضوعية، تجعلها خياراً لا بديل منه. وفيما يبدو الغرب في طريقه لأن يتعلم من أخطائه، ويضع الاعتبار الكامل للرأي العام المعني بالحرب تمويلاً ودعماً أو تشكيكاً وتردداً، تبدو الصورة مغايرة في سورية. إذ لا أحد يريد أن يتعلم من الأخطاء التي قادت إلى انهيار أنظمة عدة.
بيد أن رصيد النظام السوري في النكسات لم يتوقف. فقد أجبرت قواته على الانسحاب من لبنان، ولم يستوعب الرسالة، وجرى تصنيف الذراع العسكرية لـ «حزب الله»، بما يحد من نفوذه، لكن ذلك زاد طبيعة تحالفه القائم مع النظام السوري. فيما الدرس العراقي لم يغيّر شيئاً من عقيدة بشار الأسد الذي تحيط به الحرائق من كل جانب.
لم يكن من قبيل الصدفة أن واشنطن قطعت حبال الاتصال مع موسكو، على خلفية لجوء عميل استخباراتي أميركي إلى روسيا. فقد حدث ما يشبه هذه الحالات كثيراً في حروب الاستخبارات. ولم يصل الأمر إلى القطيعة، ما يعني أن إدارة الرئيس باراك أوباما أرادت توجيه رسائل إلى موسكو لثنيها عن استمرار دعمها لنظام بشار الأسد. والحال أن الأميركيين فتحوا كوة صغيرة في جدار الحوار مع إيران، وإن بدا محتشماً في البحث عن مفقودين أميركيين، لكن هذا التحول على رغم محدوديته يروم رفع بعض الغطاء الإيراني عن سماء دمشق. وسيكون على نظام الإصلاحيين الجدد في طهران أن يحسب كثيراً قبل الانكفاء، بخاصة وأن تجربته السابقة مع أميركا في الحرب على العراق أهدته بلاد الرافدين على طبق من ذهب. ومن يدري فالأطماع الإيرانية لا حدود لها، كما أن الصداقات والعداوات لا تخضع لغير معيار المصالح المتبادلة. ولا شك ان طهران سترصد تصرفات الجار التركي بكثير من الحذر. فيما تبدو أنقرة في وارد معاودة عقارب الساعة إلى فترة «التسامح» الإيراني – الأميركي، وعينها مسمرة على ما يمكن أن تجنيه من غنائم بعد انهيار نظام الأسد.

تميل الإدارة الأميركية إلى استيعاب الدرس، ولم يكن للتصريحات الصادرة عن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وتلك التي أطلقها الموفد الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي أن تمر من دون صدى. أقربه أن قرار الحرب اتخذ، وأن تنفيذه لا يتطلب أكثر من تقليب صفحات المرجعية القانونية والأخلاقية التي تعزز المواقف. وما أشبه نظام بشار الأسد بذاك السجين الذي صدر ضده حكم الإعدام. ولم يعد يؤرقه شيء سوى حلول موعد تنفيذه. فالبوارج الحربية لها وقعها أيضا مثل الأقدام الثقيلة التي تعبر ممرات الموت. ليلة تنفيذ حكم الإعدام الذي لا يحتمل أي نقض أو إرجاء
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق