بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 26 أغسطس 2013

ويش جابك من غزة؟!. -ابراهيم عبدالمجيد القيسي


«منجلي يا بو رَزِّه..ويش جابك من غزّة، جابني لعب البنات.. البنات البانتات.. عند أهلهن غاليات.
حيّة واحوت.. بالبير إدوت، من دواها؟.. شيخٍ جاها.
سحب الدبّوس من القربوس.. وتولاّها.
هي المرّة الأولى التي سمعت فيها اسم غزة، أعني حين كنا أطفالا نحصد مع والدنا رحمه الله، وكنوع من بث الحماس فينا لننسى قسوة الحصاد، والتعب، كان رحمه الله يحدو لنا بهذا الحداء الذي يشبه ترويدة، تنبعث من عمق الحياة البدوية والريفية في الكرك وغيرها من مناطق البادية الأردنية، وبعد أن ينتهي «نشيد الحصاد»، كنت أسأل على الفور.. وشو يعني غزة؟!.
هو سؤال بريء ينم عن براءة الأطفال الحقيقية آنذاك، وأستبعد أن يحدث في أيامنا هذه ويسأل طفل بعمري آنذاك، مستفسرا : شو يعني غزة؟.. لكنه قد يسأل شو يعني «منجل»؟ أو منجل أبو رَزِّه.. 
ثبت اسم غزة في وجدان العرب الأطفال قبل الكبار، بعد أن كانوا وقودا وهدفا لمحرقة غزة التي تم نقلها بالصوت والصورة على الهواء والفضاء قبل 5 اعوام، التي أشعل ضرامها المجرمون الإسرائيليون دونما أدنى التفاتة الى أية شرعية أو حقوق إنسان أو حتى حيوان أو عدالة من أي نوع كان، وصمت عرب وفلسطينيون آنذاك، وانتظروا أن تتمخض الجريمة عن قتل حكومة حماس ولو تم قتل نصف الشعب الفلسطيني في غزة وحرقهم، وما زالوا على صمتهم، بل خرج بعضهم عن الصمت وأعلنوا موقفهم ورغبتهم الدفينة اليوم، فهاهو الجيش المصري يقوم بتدمير ما تبقى من أنفاق ، تعد بمثابة المعبر الحقيقي لخبز ودواء وهواء مليون ونصف المليون من الناس المحاصرين في غزة منذ قرابة عقد من الزمان.
تقوم مصر بتضييق الخناق على غزة، وذلك بعد أن أطاح الجيش المصري بالرئيس المنتخب، وأعلنوا حالة من الردّة عن كل المفاهيم الإنسانية والقانونية والمنطقية، فقتلوا الناس واعتقلوهم ولفقوا لهم التهم المختلفة، وتحالفوا مع أكثر القوى السياسية والاجتماعية كرها للعرب وللعدالة والحق، فقاموا بإغلاق معبر رفح أياما، ثم دمروا انفاق غزة التي يستخدمها أهل غزة لتبادل البضائع مع العالم الخارجي، وبلغت نسبة الأنفاق المدمرة حوالي 80%، وسوف يقومون بإحكام الخناق على غزة، بشكل يتزامن مع دعوات فلسطينية لأهل غزة للقيام بتمرد على حكومة غزة، واستنساخ تجربة  مصروفلول النظام  السابق.
يتذرع المصريون بأن غزة هي مصدر الإرهاب الذي يقتل الجنود المصريين في سيناء، وأستغرب بصراحة أن في سيناء جنودا مصريين، لأنهم عقدوا اتفاقية سلام  مع الجانب الإسرائيلي، كان من شروطها عدم وجود قوات مصرية في سيناء، ولا يمكن قبول ذرائع من هذا النوع، لأن حماس وأغلب الفصائل الفلسطينية المقاومة للاحتلال، لا تمارس نشاطاتها خارج الأراضي الفلسطينية، ولا تتدخل في شؤون الآخرين.
بعض الخنادق في معسكر الاعتدال كما يطلق على نفسه، تنطلق الآن باستراتيجية تستلهمها من التجربة المصرية ، وتقوم بعض الدول بمؤامرات ضد معسكر الممانعة، تصل حد الجرائم التي لا يقوم بها الا متطرفون، ويعتقدون بهذا أنها فرصتهم الذهبية للقضاء على كل محاولات التحرر من التبعية والاستبداد والطغيان والظلم وحكم الأجنبي..
ونحن في الأردن نرى الصورة بوضوح، ولا حسابات معقدة لدينا (نظاما وحكومة وشعبا)، وما زلنا على ثوابتنا السياسية والأخلاقية من قضايا الصراع في المنطقة، وعلى نفس الموقف من القضايا الداخلية في جوارنا العربي، لكننا لا نتجاهل التهديدات التي تتمخض عنها بعض هذه الأزمات والقضايا.. 
وما زلنا نردد ترويدة الحصادين: منجلي يا بو رَزِّه.. ويش جابك من غزة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق