بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 26 أغسطس 2013

الكونفدرالية مع سوريا ! - صميم العراقي



يتحدث بعض السياسيين هذه الايام عن فكرة اقامة كونفدرالية مع سوريا وكأن الامر نزهة او مخطط للاطاحة بتيار قومي موال للشقيقة دمشق ايام ماكان منطق المؤامرة سائدا في ثقافة الاحزاب السياسية القومية او كأن الفكرة تنطلق في هذا الفضاء (الديمقراطي المفتوح) لأثارة الشجن والتعلق بسوريا التي تتناهبها الحرب الضروس وحشود المسلحين ومؤامرة اسقاط جبهة الممانعة العربية في مواجهة اسرائيل!.
انا - ككاتب عراقي اقام في دمشق اكثر من 16 عاما اي نصف سنوات المعارضة العراقية ضد الطاغية صدام - من اشد دعاة الوحدة العربية مع سوريا بسبب الخصائص  والمشتركات والشروط والحدود والطبائع والرغبات والتطلعات المشتركة وغرامنا العراقي بغوطتها وسحر فضائها الثقافي وموقعها في خريطة البلدان التي احتضنت شتاتنا، ولان سوريا التي وقفت الى جانب المعارضة العراقية طيلة سنوات تستحق هذه الاماني العريضة على قاعدة نص لمحمود درويش يقول ..على هذه الارض مايستحق الحياة!.
 لكن المشكلة في الكونفدرالية السورية تتعدى البروتوكولات وكلمات الاحتفال بالشعب الواحد في دولتين الى ماهو اعمق من ذلك عبر مايجري في سوريا من حرب اكلت الاخضر واليابس وموقف الولايات المتحدة الاميركية من نظام بشار الاسد والتركة  الاقتصادية الثقيلة وحجم التدمير الذي لحق بالمدن السورية والنزيف المالي اليومي المستمر ومستوى الانفاق (الملياري) على الحرب والأهم اولوية المسألة السورية في الاهتمامات الدولية والعربية ووجود أزمة معقدة تستعصي على الحل وصراع سياسي داخلي لم يحسم بين السوريين انفسهم وسؤال كبير يتم تداوله في اللحظة الراهنة عن اي سوريا يتطلع السوريون بعد 3 سنوات من الحرب وجيش من اللاجئين وعشرات الجنسيات الاجنبية التي تقاتل لأجندات واهداف اصولية..
فهل الدعوة التي يتحمس لها البعض ومنهم اقتصاديون كبار واردة ام هي (مؤامرة) شبيهة بمؤامرة الطاغية صدام ايام الوحدة مع سوريا نهاية السبعينيات حين اقل كل من ايد الوحدة بالطائرة الى دمشق واعدم هؤلاء القياديين بعد عودته الى بغداد، ومن الذي يريد اعدام الميزانية وامكانات النهوض المعطلة وارباك البلد والاطاحة بربع الانجاز الديمقراطي الذي تحقق بعد 9 نيسان 2003؟!.
كيف يمكن اقامة هذه الكونفدرالية بمعزل عن توجهات الدول الكبرى والاهم الدولة الحاضنة للتجربة الديمقراطية الراهنة في العراق، وهل هنالك عاقل يفكر باقامة وحدة مع سوريا في ظل تنامي حدة نهج التطلع لتغيير النظام والتفكير بجنيف 2 مع التوسع في حجم المعارضة السياسية والاخرى المسلحة في الداخل والخارج ثم من اين لنا هذه الميزانية المليارية الكبيرة التي تغطي تكاليف (عيش) اكثر من 30 مليون سوري ونحن لازلنا في حالة ارتباك في التخطيط وفي تسهيل مرور الميزانية الوطنية بين التشغيل والاستثمار وتنمية المحافظات و(مليون مشكلة) وكلام عن فساد يعطل الاجراءات الوطنية في اطار بناء الدولة الوطنية العادلة المجاهدة؟!.
لاافهم من تلك الدعوة الا ربط العراق بعجلة الدول الملتحقة بمشروع (الربيع العربي) عبر الاطاحة بمكسب الديمقراطية ووجود نظام سياسي قائم على الدستور والتطلع لبناء دولة مدنية حديثة لاتؤمن بالتوسع على حساب الامن القومي العربي وان بالكونفدرالية والنزول اسفل الخارطة السلفية او الاصولية التي توجهها دوائر الافتاء القائمة على التطرف والتكفير والا هل هنالك عاقل يفكر بتعطيل مسيرة دستورية ورغبة امة وتطلعات قوى سياسية مهدت الطريق لاقامة هذا النظام الفيدرالي الاتحادي الديمقراطي والانتقال من (مطبخه) الراهن الى وحدة غير قابلة للتحقق مع مايكتنف التجربة الحالية من صعوبة في التكيف مع المناخ السياسي المحلي المخبوء تحت ثياب النار والدعوة الى الانفصال واقامة الاقاليم على اساس طائفي وقومي حتى يدعو الى كونفدرالية مع سوريا؟!.
اساسا لايوجد اي تشابه في القدرات والشروط الاقتصادية والبشرية بين العراق وسوريا حين كانت الاوضاع السياسية عادية في الشام، والكونفدراليات لاتقوم الا على التشابه في الخصائص والمقومات الاقتصادية اما اذا اراد هذا التيار من السياسيين الحاق العراق بسوريا على اساس تغطية تكاليف الحرب السورية بعد ان بان العجز عند البعض بسبب الارهاق في شراء كميات السلاح الواردة الى معاقل الجيش السوري الحر وضخ العملة في البنوك والمصارف وهي ضريبة كبيرة مرهقة فان العراق غير قادر على تحمل كلفة المسألة السورية وغير قادر على مجاراة الموقف الدولي وربما يكون اصل التطلع ولو بالتفكير لانشاء كونفدرالية مع سوريا انتحارا سياسيا نقدم فيه عنق التجربة واعناق العراقيين لا لجبهة النصرة وعشرات الجنسيات التكفيرية التي حملتها فتاوى الزندقة على اكتاف الخيبة والقاعدة بل للذين قدموا لنا راس الطاغية صدام على طبق من ذهب وحملوا تجربة في الديمقراطية تمتد لاكثر من 300 سنة وصرفوا المليارات لتعزيز صيغة النظام البديل والالاف من ابناء سلاح الفرسان في الجيش الاميركي!.
اخيرا: انا لاافهم كيف يفرط سياسي بهذا الانجاز لقاء انقاذ رأس سلطة عربية من حبل المشنقة على حساب شعبه ونظامه الوطني الفتي ويترك مشاكل التنمية في امته ليتغنى بمجد التنمية العربية – الحلم ولااعرف كيف يصرف البعض ازمته مع البعض الاخر بحيث ينتهي به (التصريف) الى انشاء وطن من (السكراب) والمسلحين والتكاليف الباهظة!.
اقول هذا الكلام وانا مأخوذ بالحسرات على دمشق مقتول بزفرة الالم الممض على باب مصلى والربوة وسحر الضوء المتوهج على ضفائر الدمشقيات وتراث عميق من الافكار التي احتضنتها اول عاصمة في الشرق قبل عشرة الاف سنة من الان!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق