بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 28 أغسطس 2013

«كولن باول».. السوري - خليل حرب


استغرق الأمر عاماً واحداً فقط ليحاول كولن باول، وزير الخارجية الاميركية الاسبق، التراجع عن صورته ــ الفضيحة في الخامس من شباط العام 2003. 
وقتها، جلس باول يلقي واحدة من أكثر الخطابات شهرة امام مجلس الامن الدولي، رافعاً امام العالم ووزراء الخارجية الآخرين: الانبوب الشهير الذي يفترض انه كان يحتوي مواد بيولوجية، ألصقت تهمتها بالعراقيين. 
بأكثر من تسعة آلاف كلمة، راح العالم يشاهد رئيس ديبلوماسية الدولة الاقوى في العالم، على الهواء مباشرة، يطرح «الدليل» تلو «الدليل»، على تورط العراقيين بعشرات الاتهامات: اسلحة كيميائية وبيولوجية ونووية وانتهاكات لقرارات الامم المتحدة وتلاعب وتضليل فرق التفتيش الدولية على اسلحة الدمار الشامل، ومصانع تسلح متحركة... وإرهاب. 
عرض باول وقتها الانبوب الشهير وصور اقمار اصطناعية وتسجيلات صوتية ووثائق يفترض انها كلها تشكل ادانة لبغداد، متخذاً بذلك الخطوة الديبلوماسية الشكلية الاخيرة قبل اطلاق شرارة الحرب.
بعد عام واحد فقط، في ايار من العام 2004، كان الرجل يفضح نفسه بنفسه. ظهر امام الاعلام وأعلن ــ بجرأة وقحة ــ انه «نادم» بعدما تبين بحسب قوله ان «المعلومات كانت غير دقيقة وخاطئة وفي بعض الحالات مضللة عن قصد»، ما شكل اول اعتراف رسمي بأن الحكومة الاميركية استخدمت «ادلة» مضللة وكاذبة. 
وفي ايلول من العام 2005، ذهب باول الذي كان يوصف قبل توليه منصب وزير الخارجية عندما كان يتولى منصبه رئيس هيئة الاركان الاميركية المشتركة، بأنه أحد ألمع القيادات الاميركية على الصعيدين السياسي والعسكري، ابعد من الاعتراف المبدئي الاول. قال في مقابلة تلفزيوينة إن خطابه امام مجلس الامن في شباط 2003، قبل الحرب على العراق بأسابيع قليلة، بأنه «وصمة في سجله.. ومؤلم». وقال انه دافع عن قرار الذهاب الى الحرب «مكرهاً»!
غالب الظن أن باول كان يستذكر بعض ما قاله في خطابه المهزلة، وهو كثير، لكن من بينه على سبيل المثال التمادي في كذبة الارهاب الى حد التأكيد على الترابط بين النظام العراقي وبين زعيم تنظيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي!!، وان ما يمتلكه العراق من مواد كيميائية تتراوح بين 100 و500 طن يمكن أن تعبئ نحو 16 ألف رأس حربية كيميائية!!
كانت ديبلوماسية الحرب الاميركية تبني «قضية» ضد العراق، ولعلها نجحت وقتها برغم اتضاح حجم التضليل الذي مورس على الرأي العام العالمي. ابتلع كثيرون الطعم. في العالم العربي انخرطت دول وحكومات ووسائل إعلام كقطيع في مسيرة الخداع الاميركية. طبل هؤلاء للحرب وكأنها خلاصهم الالهي، وابتهج الليبراليون واليساريون والمتنورون العرب كأنها لحظة معركتهم الفاصلة مع الرجعية. اما الـ«سعد حداديون» منهم، فقد جرفهم الحماس لعمالتهم... وشكروا الرب على هذه النعمة. 
ووسط بلاهة كل هؤلاء، كان الخراب الشامل قد حلّ بالعراق. «ندم» كولن باول ومذكراته التي كتبها لم تبدل شيئاً في مصير المليون عراقي الذين قتلوا بعدها. باول بالمناسبة، لم يكن الاول. سبقته وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت في تشرين الثاني 2005 عندما حاولت التراجع عن كلام دنيء قالته خلال توليها منصبها (بين عامي 1996 و2000)، حينما قالت ان حصار العراق كان أمراً مستحقاً حتى لو عانى اطفال العراق من المرض والجوع. اكتفت وقتها في اطار التوضيح بدل الاعتذار، بالإقرار إنها قالت «كلاماً سخيفاً»!
غداً، ولو سوّق الأميركيون لفكرة «الضربة المحدودة» ضد سوريا، لن يكون جون كيري افضل سمعة من كولن باول ولا مادلين اولبرايت. الديبلوماسية الاميركية ستتوارث السقطة ذاتها. الإمبراطورية عاهرة تتلون بعناوين مختلفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق