ليس من باب التنظير وإسداء النصح، بل احتراماً لدماء الشهداء ومشاعر الجرحى وعائلاتهم، ونظراً الى أهمية الإعلام وخطورته إذا لم يُحسن استخدامه: في كل مرة تتعرض البلاد لحدث أمني كبير تفتح محطات التلفزة المحلية هواءها أمام ضيوف تدعوهم لمشاركتها في مواكبة الحدث، وهم في غالبيتهم الساحقة سياسيون وحزبيون ووزراء ونواب حاليون وسابقون وصحافيون وضباط متقاعدون، ومنهم من يقدّم نفسه رئيساً لمجلس ادارة مؤسسة للدراسات والابحاث الاستراتيجية السياسية والعسكرية أو باحثاً أو محللاً أو خبيراً في شأن ما عربي أو اقليمي أو دولي، ومنهم من لا يتحمل مسؤولية تقديمه محللاً أو باحثاً أو صحافياً عادياً، لكون أصحاب الدعوة هم من يجتهدون في اختيار الصفة دون سؤال صاحب العلاقة. وفي كل الحالات، ليس هناك من يدقق في صحة كل تلك الصفات والتسميات، مع كل الاحترام والتقدير للجميع، ولاسيما من لا يفقدون توازنهم ويحترمون حق الآخر في إبداء الرأي.
بالطبع ليس في استطاعة محطات التلفزة متابعة برامجها العادية وكأن شيئاً لم يكن، في حال وقوع حدث كبير، ولاسيما إذا كان في حجم مجزرة وجريمة قتل جماعية بسيارة مفخخة كما حصل بالأمس في طرابلس، وقبل أيام في الضاحية الجنوبية، وخصوصاً أن بعض تلك المحطات سبق أن تعرض لانتقادات شديدة لتجاهله الحدث وعدم مراعاة مشاعر الناس. ولكن متابعة الحدث لا يجوز في أي حال من الأحوال، أن تكون في صب الزيت على النار نتيجة سوء اختيار الضيوف ووضعهم وجهاً لوجه، أو في توتير الاجواء أكثر فأكثر أو بالمشاركة في خدمة الأهداف الكامنة وراء الجريمة من حيث يدري هؤلاء أو لا يدرون!
عندما نفّذ الجيش عملية إنهاء حالة الشيخ احمد الاسير بالقوة، وفيما كانت البلاد تعيش أجواء توتر واسع وخطير، أقدمت محطتان تلفزيونيتان لبنانيتان على عرض جثث وسط قاعة مدمرة، وزعمت أنها "المشاهد الأولى" لمسجد بلال بن رباح في عبرا، حيث كان الأسير يؤم المصلين، لتعتذر لاحقاً وتوضح أن تلك المشاهد كانت من تفجيرات سابقة... في العراق. بئس السبق الصحافي!
وأمس، ضجت صفحات التواصل الاجتماعي بخطيئة مماثلة، إذ عرضت إحدى المحطات مساء الجمعة مشاهد مقززة لجثث متفحمة زعمت أنها لضحايا من تفجيري طرابلس، وقد ثبت بعد قليل أنها قديمة ومن عالم آخر... مرة ثانية، بئس السبق الصحافي!
هل خطر في بال تلك المحطات، على كثرتها، استضافة مسؤولين أو رجال دين عاقلين، لمناقشة كيفية التصدي لمشاريع الفتنة الجهنمية؟ هل فكرت واحدة منها، في استضافة طبيب نفسي أو اختصاصية اجتماعية لمناقشة سبل معالجة الصدمات، وخصوصاً لدى الأطفال؟ مجرد سؤال!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق