
الاثنين 29/7/2013: خارج المشهد
أصحاب البيت خارج المشهد، كأنهم غير موجودين، أو أن وجودهم لا يكتمل إلاّ بحضور أهل القيادة.
ويأتي أهل القيادة من كواكب أخرى، كائنات تحتل كوكبنا لتقيم نظامها وتعمّم لغتها، وما علينا، نحن أصحاب البيت الأصليين، سوى الإذعان، وأن نطوي الذاكرة ونبدأ كأطفال مولودين ينصاعون لأهل القيادة الجدد.
وقلما ترانا نحن أصحاب البيت في مشهد الربيع العربي، يتم استحضارنا كجموع في صور طائرات الهليكوبتر مثل نمل يغطي الشوارع والجسور والساحات. ولا مشاهد مقربة لوجوهنا، نحن أصحاب البيت.
وحدها الوجوه لأهل القيادة، لقادة أهل القيادة عند هذا الطرف أو ذاك من الصراع على كوكبنا.
> الثلثاء 30/7/2013: رسالة البعيد
تلقيت هذه الرسالة التي أنشرها على رغم اعتراض مرسلها:
الشمس أكثر حرارة من أي فصل آخر والنهار ثلاثة أرباع اليوم والليل قصير لا يتسع لنوم عميق ولا لأحلام. أكتب اليك من بلدتي القريبة من القطب الشمالي وأفيدك بأنني أصوم رمضان وفق اجتهاد شخصي لمدة 12 ساعة يومياً. لم أدخل مواقع الدعاة على الأنترنت وأتفادى لقاءهم عندما يزور أحدهم بلدتي مرة أو مرتين في السنة. ذلك أنني أستشعر نوعاً من القسمة بين الدين والدنيا، وأرى معظم الدعاة يميلون الى الدنيا مع شيء من التزيين الديني ليبرروا آراءهم الشخصية. قلت انني أعمل لدنياي وأعبد الله وأقيم الصلاة وحيداً وأتبرع لجمعيات خيرية مرخصة قانوناً فأضمن وصول زكاتي الى المستحقين من أي جنس أو لون أو دين.
لا أريد تعميم تجربتي ورؤيتي على مؤمنين آخرين. انه اختياري الشخصي لا ألزم به حتى زوجتي وأولادي، فقد كفانا نحن المسلمين، قديماً وحديثاً، إنشاء فرق تبدأ باجتهاد شخصي وتصل بالضرورة الى أحقاد بين أبناء الدين الواحد تبلغ أحياناً التكفير والقتل.
ربما ترى في ابتعادي عن الدعاة تعميماً ظالماً لا جدوى منه وقد يحرمني من آراء دعاة أجلاء أكثر علماً مني بشؤون الإسلام يفتح كلامهم مجالات قد أحتاج اليها. ويبدو كلامك صحيحاً لكنني أؤثر الابتعاد عن المغامرة وأكتفي ببسيط الإيمان عن معقّده، معتبراً الإسلام دين الفطرة الإنسانية، وأن خير المفتين هو قلب الإنسان المؤمن البسيط الذي لم تداخله الأطماع وعصبيات الجدل باسم الدين.
وأشد ما يؤلمني وينفرني أيها الصديق هو غلبة تاريخ الصراع على تاريخ الإيمان، فكلام الدعاة صار في نظري شبيهاً بكلام مؤرخي المعارك الذين يرافقون القادة ويمجدون الانتصارات ويهونون من شأن الهزائم. مؤرخو سلاطين لا يقيمون وزناً للمأساة الإنسانية التي تترافق حتماً مع الحروب، بل ان الحرب المعلنة من أجل مبادئ دينية تأكل نارها معظم هذه المبادئ ولا تبقي سوى ما يلتصق بسلطة ولا يقترب من إيمان.
وأدّعي يا صديقي انني في بلدتي البعيدة عنك، أي عن بلادي الأصلية، والقريبة من القطب الشمالي، أمارس عملي الدنيوي ملتزماً القانون الوضعي المعمم على المواطنين بلا استثناء، وملتزماً في الوقت نفسه أخلاقيات الإسلام كدين لا كتاريخ دولة أو سلطة، وبين هذا وذاك فرق يدركه أي قارئ للماضي ومتأمل للحاضر. هنا يا صديقي أنصرف الى إيماني صلاة ودعاء وأحسّ أنني أستجيب حقاً دعوة الإسلام الى الإيمان بالله ورسله.
ويا صديقي أرجو أن تبقى رسالتي شخصية بين المرسل والمرسل اليه، فأنا لا أدعو أحداً الى تقليد سيرتي الدنيوية والدينية، وإنما أطمئنك كصديق الى انني وجدت نفسي وإيماني بعيداً من صخب الدعاة وآرائهم الحادة. وللمناسبة فإنني أرثي لحالهم وأتمنى ان يهدوا أنفسهم قبل أن ينصرفوا الى هداية أناس لا يعرفونهم.
> الأربعاء 31/7/2013: العنف العراقي
العراقيون أكثر الشعوب العربية استهلاكاً للأدوية المهدئة للأعصاب، ذلك ان العنف لم يفارق هذا البلد قبل الاحتلال الأميركي وبعده، وهو عنف يسم الشخصية العراقية في إقامتها الصعبة وحتى في اغترابها في أنحاء العالم.
لا دراسة علمية في هذا الشأن، لكن الأخبار تحمل دلالات على معاناة المواطن العراقي من عنف واضح أو غامض. نصحت صديقي باستعادة دراسات لعلماء نفس عن العهد النازي وضحاياه في المانيا والدول الأوروبية التي احتلها، لكنه قال ان الوضع في العراق أكثر حدة إذ تختلط دوافع العنف الموضوعية مع الإرث التاريخي الذي يبقى حياً كأنه حدث للتوّ.
ولكن، هل المريض نفسياً هو صانع العنف أم ضحيته أم الاثنان معاً؟ لا يريد صديقي التعامل مع ظاهرة العنف العراقية من باب التحليل النفسي، ويرى ان منابع العنف هي العقائد كما يتصورها صانعو العنف ويؤمنون بها إيماناً أعمى. ذلك أن مالك الحقيقة لا يقبل التفاهم مع الآخر بل يلغيه وصولاًَ الى قتله، خصوصاً إذا تعارض سلوك الآخر مع التصور الديني لمالك الحقيقة. نحن هنا أمام عملية امتلاك للذات الإلهية تطرد من رحمتها الأغيار وتشيطنهم وتصل الى تكفيرهم وقتلهم.
صانعو العنف أصحاب عقائد متطرفة وليسوا مرضى نفسيين، لكنهم بالضرورة، وما دون عمليات القتل التي يرتكبون، يتسببون لسكان محيطهم الاجتماعي بكثير من الأمراض النفسية.
نقلت وكالة الصحافة الفرنسية «ان العراقيين يواجهون في حياتهم اليومية القلق والإحباط والإرهاق والكآبة، بما يفقد الواحد منهم تلو الآخر أي أمل في المستقبل. وانهم باتوا يعيشون كفئران داخل أقفاص، فعندما يتعرض الفأر لصعقات كهربائية داخل قفص، يحاول الفرار، ثم يتوقف تماماً عن الحركة عندما يشعر بعدم جدوى محاولاته الهرب».
لكن الوكالة تنقل عن طبيب عراقي قوله: «ان هناك مسألتين غير الأدوية تساعدان العراقيين على مواجهة ظروفهم الصعبة، أولاً، شعورهم بأنهم ضحايا وأن ما يحدث خارج عن إرادتهم، وهذا يساعدهم على عدم الشعور بالذنب، وثانياً، ان من السهل على المسلمين تقبل حقيقة أن كل شيء بيد الله».
> الخميس 1/8/2013: أحمد أبو زيد
الانثـــروبولوجي المـــصري أحمد أبو زيد رحل بصمت في مدينته الإسكندرية منهياً حياة حافلة بالعطاء العلمي في مجاله، وكان خصّ «الحياة» بمقالات عدة تدمج الاجتماعي بالسياسي.
وإذا كانت الحرب السورية والحضور الإرهابي في شمال سيناء من الأحداث التي تحظى بالاهتمام عربياً ودولياً، فالمطلوب إعادة نشر دراسات ميدانية كان الراحل أجراها في سورية وسيناء وهي تحمل بالضرورة إضاءات على عنف الحدث وأصول هذا العنف.
عن سورية، أنجز أحمد أبو زيد دراسة انثروبولوجية استطلاعية عن العلويين السوريين بتكليف من المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عام 1960، أي خلال الوحدة المصرية - السورية.
وعن سيناء والمجتمعات الصحراوية في مصر والعالم العربي، أنجز أبو زيد الأبحاث التالية:
- الواحات الخارجة في مصر (1955).
- جماعات البدو الرحل في الصحراء الغربية - مصر، وفي الصحراء السورية (1959).
- أبحاث ميدانية في صحارى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا - بتكليف من مكتب العمل الدولي في جنيف الذي نشرها بالإنكليزية عام 1962.
- المجتمعات الصحراوية في مصر - شمال سيناء نموذجاً، بتكليف من المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر (لا تاريخ).
ومثل علماء الانثروبولوجيا الرواد، كان لأحمد أبو زيد حضور في غير بلد عربي، كما وضع وترجم دراسات أساسية في هذا المجال، وهو من أوائل مترجمي كتاب «الغصن الذهبي» لجيمس فريزر، الكتاب الأكثر شهرة في مجال الانثروبولوجيا والذي ألهم المعنيين بالأساطير الأولى، ومنهم الشعراء، على رغم اتفاق الأكاديميين على عدم دقته العلمية.
تنطوي صفحة أحمد أبو زيد، وتبقى العلاقة مقطوعة بين أصحاب القرار في بلادنا والعلماء الباحثين أصحاب القدرة على إعداد القرار وتصويبه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق