رغم مرور اكثر من عام على انتخاب المؤتمر الوطني العام، لم تستطع ليبياالدولة الانطلاق لتأمين مسار جديد بعد الثورة، كما ان جدول الاعمال الذي كان على المؤتمر الوطني العام الالتزام به، لم يعد محترما، بدليل تأخر معظم الخطوات لانهاء المرحلة الانتقالية، ومنها على الاخص انتخاب هيئة كتابة الدستور.
وكانت الانتخابات اعطت انطباعا عاما للخارج بأن الليبيين، الذين انتخبوا لاول مرة في حياتهم، استطاعوا ان ينجزوا اقتراعا هادئا ومبشرا بامكانية تمرير مرحلة انتقالية هادئة وسلسة.
وللاسف، شهدت ليبيا تدهورا كبيرا بسبب بقاء الميليشيات المسلحة بالشارع وقيامها بالسيطرة على مناطق ومدن بذريعة محاربة فلول النظام السابق، الا ان هذه العمليات نمت عن وجود انقسامات عميقة بالمجتمع ادت بسكان ثلاث مدن على الاقل الى مطالبة الامم المتحدة بالتدخل لاعادتهم الى بيوتهم.
ومع الوقت تبين ان الاجواء التي رافقت الانتخابات والنتائج التي تمخضت عنها آيلة الى التغيير على الارض، وان الذين لم يحالفهم الحظ بالانتخابات هم الممسكون فعليا بالسلطة، وقد حالوا دون تمكين المؤتمر الوطني والحكومة من انشاء جيش لكل ليبيا، وقوى امن لكل الليبيين حتى مع وجود اقتراحات بدمج معظم هذه الميليشيات في المؤسسات الشرعية، لذلك تحولت ليبيا، بل غرقت مع الوقت بما يشبه الفوضى التي استغلتها جماعات متطرفة وقريبة من تنظيم ‘القاعدة’، لتدافع عن وجودها وتتابع حربا ضد القوى الغربية، لكنها في الواقع تحارب تعافي ليبيا وخروجها الفعلي من النظام السابق. ولعل الحال اليوم اكبر دليل على ذلك، فالمؤتمر الوطني العام وهو الهيئة التشريعية والمؤسسة الوحيدة التي تحظى بشرعية بدأت تشهد انهيارا ليس فقط بتجميد عضوية تحالف القوى الوطنية ومشاركته بالعملية السياسية، وانما تآكلت شرعيتها منذ اصدارها قانون العزل الذي حرمها ويحرم ليبيا من شخصيات كفوءة بذريعة عملها في ظل النظام السابق.
ومن الدلائل المؤسفة على الانهيارات الحاصلة، ان حكومة علي زيدان التي ابدت بعد تنصيبها حزما واستعدادا لتصويب الاوضاع، تراجعت مع الوقت واضطرت لتقديم تنازلات لهذا الفريق او ذاك، الى ان انتهت اخيرا الى امكان ضم الميليشيات التي حاصرت الوزارات وعطلتها الى صفوف القوى الامنية.
وهذا كله يدل على ان المهمة الاساسية والعاجلة التي كان على المؤتمر الوطني العام ان يتصدى لها ويعالجها هي مسألة المصالحة الوطنية، ومن الواضح ان قوى سياسية وميليشياوية من داخل المؤتمر وخارجه هي التي دفعته الى اضاعة البوصلة وتمييع هذا الاستحقاق الوطني الكبير، فقط لحماية مصالحها وابقاء ليبيا امام الاحتمالات الخطيرة، ومن اهمها الانقسام بين شرق وغرب، وبين ليبراليين واسلاميين، وبين مطالبين بتدخل خارجي ومصرين على معالجة المشاكل في الداخل رغم ان امكانات المصالحة الداخلية تتضاءل.
من اسوأ النتائج لهذه الفوضى ان كل القوى لم تأخذ بحرمة الدم، وباستثناء مهاجمة القوى المتطرفة مقار دبلوماسية لدول ساعدت الثورة على تحقيق اهدافها، فان شيوع الاغتيالات في الاونة الاخيرة يظهر ان الصراعات احتدمت وبدأت تبحث عن امكانية للحسم من اجل السيطرة على السلطة لفريق دون آخر، وما اغتيال عبد السلام المسماري الذي اذاع البيان الاول للثورة سوى دليل على ان الثوريين على اختلاف انتماءاتهم قد اصبحوا في مزاج آخر لا علاقة له ببناء وطن ودولة، ولا عجب في مثل هذه الحال ان تعود الاصوات المطالبة بعودة الملكية ودستورها كحل مؤقت ريثما يستفتى الليبيون على النظام الذي يريدونه، وليس مؤكدا انهم جميعا يؤمنون بان فترة الملكية كانت جيدة، فضلا عن ان النظرة الى المصالح والى المسار السياسي المفضل لليبيا قد يتغير بتغير القوى الموجودة على الارض.
لعل المطلوب اليوم ان يبرهن اعضاء المؤتمر الوطني العام على احترام مسؤوليتهم واتخاذ قرارات جماعية واضحة بشأن المطلوب امنيا والمطلوب سياسيا، وكذلك بدعم الحكومة في برنامجها من اجل بلورة جيش وطني وقوى امنية وطنية، واذا لم يفعلوا ذلك، فان ليبيا ستبقى في فوضى الى اجل غير معلوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق