بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 19 سبتمبر 2013

وكان «الكيماوي» برداً وسلاماً -نضال نعيسة - دمشق

مع هبوب عواصف الكيماوي السورية على الشواطئ المتوسطية، ثمة سؤال هام جداً يقحم نفسه في زحمة الحدث واشتداد أواره، وهو ما الذي دعا  أوباما لوضع الكيماوي كخط أحمر منذ بداية الصراع كإجراء احترازي على «شوية» مظاهرات سلمية تطالب بالحرية والديمقراطية،  ويوم كانت «الثورة» سلمية، ويا عيني عليها،
  فهل كان زرقاء اليمامة والعرافة «الكيني»، ولبصيرة ثاقبة، أم لفراسة خارقة، يتنبأ، باستخدام الكيماوي، في زمان، وظرف ما، وما هي هذه القدرة «الأوبامية» العجيبة في اجتراح هكذا نبوءات في زمن عز فيه الأنبياء، وندرت فيه النبوءات؟‏‏
 وبداية، لا بد من الإشارة والقول، لقد كانت القوة العسكرية السورية، وتوازن الرعب الاستراتيجي السوري الهائل، محط أنظار واهتمام قوى إقليمية ودولية تريد النيل منه، وتفكيكه، وإمالته، كلياً، لصالح الكيان الصهيوني، وكان في صلب وعين ما تسمى «الثورة السورية» (الإرهاب الدولي المعولم). وللذكرى، فقد كانت هناك تصريحات بارزة لرموز «الثورة» ومن بواكيرها، وبداياتها الأولى تعرّج، وتضع التصورات لمصير ومستقبل الجيش الوطني السوري، وطبعاً بعد انتصار «الثورة»، وتتكلم عن ضرورة تقليص عديده، و»تحجيم» الأجهزة الأمنية، والسيطرة على مخزونات الأسلحة الاستراتيجية، ووضعها بتصرف قوى إقليمية ودولية، وكان ذلك يعلن، جهاراً نهاراً،  ومن على شاشة القناة العاشرة، والثانية في التلفزيونات الصهيونية، وأخواتها اليعربيات، من فصيلة الإسرائيليات، وعلى لسان «كبار الثوار» المقيمين في عواصم الإفك والإثم والعدوان والضلال. وقد أنيط هذا الأمر أولاً، بـ»الثوار» لإنجاز الهدف «الثوري» الأثير على ما يبدو، ولكن التطورات على الأرض، واتجاهات الاستراتيجيا الدولية لم تسنح لـ»ثوار» أبي عمامة الكيني، المعروف باسم أوباما، بتحقيق هذا الهدف، وهنا كانت بداية التحول بتكتيكات المهاجر الكيني من دون التعرض للاستراتيجيا، طبعاً.‏‏
 وقد كان التلويح بالتدخل العسكري، وتوجيه ضربة عسكرية لسورية، واحداً من الخيارات النهائية، والحاسمة، وورقة الضغط والفصل الأخيرة، التي كان أوباما يعتقد بأنه يمتلكها، مع كل عثرة، وهزيمة، وانكسار، وبعد أن يصل «ثواره» على الأرض، في كل مرة، إلى الطرق المسدودة، والنهايات المهينة والمفجعة التي واجهوها.‏‏
  وحين جد الجد، ووصل «الثوار» إلى حالة مزرية من الفشل والعجز والخيبة والإحباط، وبعد تلك المباغتة العسكرية الصاعقة، فجر الحادي والعشرين من آب / أغسطس، حيث أجهضت، من قبل رجال الجيش الوطني الباسل، وفي مهدها، مع خسائر فادحة، ومذلة، واحدة من أكبر المحاولات لاقتحام دمشق من عدة محاور، وأدرك أوباما أن لا سبيل للتعويل على «أزلامه»،  فكان لا بد من طرح آخر أوراق أوباما، وهي ورقة الكيماوي، وبدأ التصعيد العسكري، وقرع طبول الحرب، والتهديد بالضربة. غير أن حساب القرايا لم ينطبق على حساب السرايا، وبدا أن تنفيذ الضربة، أشبه ما تكون  بالمستحيل، وبالكابوس وعملية الانتحار لأوباما، ولوبيات الحرب من خلفه، التي أدركت أن تداعيات الضربة، والرد عليها، ليس من قدرة لطاقتهم على تحملها. فهرب أوباما إلى الكونغرس،  ولم يستطع  إقناع شعبه، ولا حتى أخلص حلفائه الأوروبيين، من «زملاء» الحروب، ورفاق الدروب الإجرامية  في أفغانستان والعراق، كالبريطانيين، بالحرب اعتماداً على تقارير مضللة، وتخمينات، وفذلكات وحذلقات إعلامية، وفيديوهات  مفبركة، ومسرحيات مضحكة، مشكوك في صحتها ومرفوضة أصلاً، وقانوناً، أمام أية جهة قضائية، ولا يؤخذ، ولا يعتد بها.‏‏
 حينها، تنفس الجميع الصعداء، مع انحسار المواجهة وتراجع وفرار أوباما، والكيماوي الذي كان يراد له أن يكون ناراً وحمماً تصب فوق رؤوس السوريين، كان، حقيقة، برداً وسلاماً نزع فتيل الحرب وانفجار البراكين. وتحولت الورقة الكيماوية، والتلويح بالخيار العسكري، إلى عبء ثقيل وكابوس رهيب يطارد الرئيس، الخاضع للوبيات الضغط الحربجية، مع الاحتمال الكبير، والقائم، بالتعرض لخسارة عسكرية مهينة ومذلة تطيح بآخر ما تبقى من هيبة أمريكية، لاسيما بعد رواية السقوط «الغامضة» لصاروخين أمريكيين في عرض البحر، يقال بأنهما كانا باكورة الحرب وإعلانها التجريبي ضد سورية، وبداية الضربة المزمعة، ما جعل أوباما يعيد كل حساباته ويبحث عن مخرج من هذا النفق الذي حشر نفسه فيه، واضطر للتراجع عن كثير من بهلوانياته وعنترياته الفارغة،  ونسي الحديث عن الشرعية، والتنحي، والأيام المعدودة، وطلب من «ثوراه» التوجه، وعلى جناح السرعة، لجنيف، واجتمع ببوتين في قمة العشرين بعد الإعلان عن «إلغاء» القمة،  لإنقاذه من ورطته الكبرى، واضطر للاعتراف بشرعية من كان حتى وقت قريب، يلوح لهم بالتوماهوك، وتغيرت النغمة، والمعزوفة، فجأة، وبدأ الحديث عن الحلول السلمية، والتفاوض، وضرورة الذهاب إلى الحلول السلمية  التي لا «بديل» عنها، (هكذا)، ومن دون أية شروط مسبقة، وكان الكيماوي، بذلك، وبالاً وشؤماً ونحساً عليه، بدل أن يكون طالع سعد، وعامل ربح ونصر لديه؟‏‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق