بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 19 سبتمبر 2013

«شَكْل».. اليمن الجديد! محمد خروب

اليوم (وربما الامس) تنتهي مهلة الأشهر الستة التي تحددت، كي ينهي مؤتمر الحوار اليمني اعماله، واضعاً التصورات النهائية للمتحاورين حول «الشكل» الذي سيكون اليمن عليه، بعد اطاحة (او قل تنحي علي عبدالله صالح عن الحكم في صفقة ما تزال معظم بنودها غير معروفة)، ودخول اليمن في مرحلة انتقالية تجسدت في «الإبقاء» على نائب صالح، عبدربه منصور هادي في قصر الرئاسة بعد ان تم انتخابه مرشحاً (وحيداً) لشغر هذا المنصب.
لم تخلُ الاشهر الستة من اختلافات واحتقانات وتجاذبات بل وتراشق اعلامي ومناورات انسحاب وتخوين واتهامات افقية وعامودية، كادت تأخذ البلاد الى مربع آخر، غير ذلك المربع الذي أُجبرت اطراف الحوار على الذهاب اليه والبقاء فيه تحت طائلة العقاب وقطع المساعدات وغيرها من الاساليب والضغوط التي يعرفها كل من يقع في دائرة تصويب المانحين والرعاة، عرباً كانوا ام جاءوا من خلف المحيطات..
وبصرف النظر عمّا اذا كان المتحاورون سيأخذون بصيغة النظام البرلماني ام الرئاسي (بعد وضع دستور جديد وقانون انتخاب جديد ايضاً)، فان المشكلة الأخطر هي علاقة الشمال بالجنوب، والتي باتت منذ العام 1994، أي منذ الحرب الذي شنّها الجنرال علي عبدالله، على شعب الجنوب عبر تسميتها بحرب الوحدة فيما هو في واقع الحال انقلب على شركائه في الوحدة، وآثر ان يواصل مسيرة التمييز والحاق المزيد من الظلم بحق الجنوبيين في نظرة عنصرية موصوفة والتعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثانية فيما اعتبر «هو وشركاؤه في الحكم وقتذاك حزب الاصلاح بقيادة الشيخ عبدالله الأحمر»، ارض الجنوب وممتلكات الدولة التي كانت قائمة قبل ايار 1991 (عام الوحدة الاندماجية) بمثابة غنائم حرب جرى اقتسامها وتوزيعها على المقربين والاصهار والاحباب..
معضلة الجنوب هي صاعق التفجير وهي صمام الامان في الان ذاته، فإما التوصل الى صيغة ترضي الجميع بعد ربع قرن (تقريبا) من الانشطار والتصدع الذي لم تنجح في الطمس عليه الشعارات الفارغة والخطب الرنانة التي تقول الشيء وتمارس نقيضه، ولا مهرجانات التكاذب والنفاق التي تتحدث بلغة الشِعر فيما على الارض يسود حكم العسكر وقانون الفساد وسيادة الشمالي على الجنوبي الذي بات مقهورا وناقما وكافرا بشيء اسمه الوحدة، التي لم يستفد منها الاّ تحالف عصابة الشمال، فيما كانت الخسارة صافية في الشطر الجنوبي..
صحيح ان الصراع المحتدم الان حول البدائل والمقاربات اكثر واقعية وقدرة في الترجمة على الارض، وبخاصة ان المبادرة الخليجية التي يستند اليها الحوار وملحقاته نصت على صيانة «وحدة اليمن»، الا انها (المبادرة) لن تكون كافية او قادرة على احداث اختراق جاد وحقيقي، إلاّ اذا قبلتها الغالبية العظمى من الجنوبيين بصرف النظر عن وجود اجنحة ومعسكرات وتيارات توصف احيانا بانها متطرفة، ترفض اي حل ما دام لا يمنح الجنوب استقلالا ناجزا وعودة الى ما كانت الحال عليه قبل ايار 1991، ودائما في رفض البقاء ضمن اطار اليمن الموحد حتى لو تم تعديل الصيغة الراهنة لتغدو فدرالية من شطرين شمالي وجنوبي، او تقسيم البلاد الى عدة اقاليم ومنحها صلاحيات واسعة ادارية وتنفيذية وتشريعية واقتصادية يجمعها في النهاية قانون اتحادي (ثمة في الاقتراح الاخير ما يشير الى تمثيل متساوٍ-اي مناصفة-في كافة الهياكل القيادية في السلطات الثلاث التنفيذية والقضائية والتشريعية ومنها نصف مقاعد البرلمان).
أين من هنا؟
ثمة عقدة اسمها علي عبدالله صالح, فالرجل لما ييأس وربما يحلم بزرع واحد من عائلته في القصر الرئاسي، ولم يفقد الامل بعد بقدرته على افشال أي اتفاق جديد بين اليمنيين ينهي نظامه العائلي الفاسد ويلبي طموحات اليمنيين الذين خرجوا الى الميادين والساحات مطالبين باسقاط عائلة صالح والعصابة الفاسدة المحيطة به, ويضع حداً لثقافة التمييز والاضطهاد التي تكرّست طوال ربع قرن تقريباً ضد ابناء الجنوب.
وهذا الرجل الذي حافظت على دوره المبادرة الخليجية، التي تم تعديلها اكثر من مرة لتتناسب والرهان الذي تستبطنه على «صالح» نفسه, يثير مواقف تبعث على السخط والسخرية في الان ذاته، وبخاصة انه ينطلق من قاعدة المحافظة على الوحدة ويندد عبر بيانات حزبه المسمى «المؤتمر الشعبي العام» بأي محاولات للتعرض لوحدة اليمن(!!).. ناهيك عن تلاعبه بالالفاظ والظهور بمظهر حامي الوحدة الوطنية بالقول انه يرفض تَحوّل مؤتمر الحوار بين المكونات
الوطنية الى حوار بين.. الشمال والجنوب!!
لعبة صالح ومن يدعمه داخل اليمن وفي خارجه، مكشوفة ومحكومة بالفشل, رغم أنها ستخلق مصاعب وعقبات وخصوصاً أنها موجّهة ضد الرئيس منصور هادي نفسه، الذي لا يزال «يكافح» بصبر وأناة، محاولات تخريب الحوار من قبل صالح وانصاره, وبخاصة أن الاخير لن يغفر لهادي قراره اطاحة ابنه رئيس الحرس الجمهوري العقيد احمد، الذي ارسله سفيراً في الامارات، ولا تقليم اظافر عائلته في الجيش والاستخبارات, ناهيك عن قرار هادي الدراماتيكي باعادة «كل» الجنود وضباط الجيش والاستخبارات الجنوبيين, الذين تم عزلهم بعد حرب علي عبدالله صالح على شعب الجنوب واخضاعه بالقوة لآلة القمع والفساد التي يرأسها..
هل ينجح اليمنيون في «رسم» ملامح الشكل الجديد لبلدهم؟
وهل يضغط اصحاب المبادرة على صالح، لوقف تدخله والاقلاع عن التخريب الذي يمارسه؟
هل يبقى اليمن موحداً «بصيغة فيدرالية» أم ينجح سيناريو الاقاليم المُقترح؟

الايام ستقول، لكن في كل الاحوال، فإن «يمن» علي عبدالله صالح... بات من الماضي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق