بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 17 سبتمبر 2013

توم ... كروز! ابراهيم حاج عبدي


أتـاحت الفــضائيات للمشاهـــد العــربي اكتساب خبرة واسعة بالعلوم العسكرية، ففي وسعه أن يعدد صنوف الأسلحة، وأن يوضح طبيعتها وميزاتها وخصائصها، ومدى قدرتها التدميرية، وبإمكانه أن يعقد مقارنة بين أسلحة روسية وبين مثيلتها الفرنسية أو الأميركية، ولن يعجز، كذلك، عن الاسترسال في الحديث عن السلاح الأبيض (هل كان السلاح أبيض يوما؟!)، بل أن تطورات الملف السوري وفّرت له بنداً آخر يتعلق بالسلاح الكيماوي.
وحين يسمع المشاهد كلمة «كروز»، مثلاً، فإن ذلك لن يقوده إلى اسم الممثل السينمائي المعروف توم كروز، بل سيحيله، مباشرة، إلى نوع من الصواريخ يسمى «كروز»، وحين يرد ذكر «دمشق الحرائق» فإن التعبير لن يحيل الى المجموعة القصصية التي تحمل هذا الاسم لزكريا تامر، بل سيذكرنا بحرائق فعلية على أرض الواقع، كما أن عبارة «دمشق مع حبي» لن تعيد إلى الأذهان اسم فيلم محمد عبدالعزيز المؤثر، بمقدار ما ستعبر عن أشواق اللاجئين ومحن النازحين.
إن لغة السلاح والحرب والقتل والدماء هي الطاغية، الآن، في الفضائيات على حساب لغة الفن والجمال والأدب، وأسماء من قبيل توماهوك وكلاشنيكوف وسكود وإم 16 وآر بي جي... راحت تطغى على أسماء أخرى لم يعد لها أي حضور. وهذه الهيمنة العسكرية في الفضائيات لم يأت من فراع، وإنما هي انعكاس لواقع أصبح فيه القتل مألوفاً، وملازماً لايقاع الحياة اليومية، ولعل هذا ما عبّرت عنه تلك الصورة التي انتشرت في مواقع التواصل
الاجتماعي والتي تظهر فتاة وهي تتبرج وسط حطام تفجير حدث للتو في مدينة طرابلس اللبنانية، وأودى، حينئذ، بحياة عدد من الأبرياء. صورة مماثلة راجت في الصين تظهر رجل شرطة في مسرح حادث مؤلم وهو يداري ابتسامة عابرة، فما كان من السلطات إلا أن حاكمت الشرطي لأنه لم يحتفظ بوقاره، ولم يراع مشاعر ذوي الضحايا.
إذاً في بلاد بعيدة، سعيدة لا يزال الموت يملك تلك الرهبة والوقار غير ان الشرق الأوسط، لا سيما المنطقة العربية، يحفل بصور القتلى الذين سرعان ما يتحولون الى مجرد أرقام مهملة ليس فقط في أرشيف الفضائيات، بل، كذلك، في ذاكرة وضمير المشاهد الذي لم يعد يأبه بصور القتلى لفرط تكرارها.

مقدمو نشرات الأخبار، بدورهم، يحافظون على الملامح الحيادية، الباردة ذاتها سواء قرأوا خبراً عن مجزرة أو قدموا نبأ عن مسابقة رياضية، والى أن يحذف حرف الراء من كلمة حرب، وحرف النون من كلمة قنبلة، كما قال شاعر عراقي، فالأكيد أن مشاهد الموت ستتوالى، وقصص المعاناة ستروى حتى تعود الحياة، ذات يوم، الى سيرورتها الطبيعية التي تفيد ان الموت حقيقة مطلقة شرط أن يكون على سرير دافئ تحيط به قلوب مُحِبّة، لا في عراء بارد، أو على رصيف غريب
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق